«قمة الرياض 2020»… إذكاء روح استئصال الفساد في العالم

لم يتوقف السعي في السعودية في مكافحة الفساد وتوابعه الكارثية على النمو والتنمية البشرية والاقتصادية على محيطها الداخلي فحسب، وإنما تعدى ذلك إلى المساهمة في دورها العالمي لحماية المجتمع الدولي من آثار الآفة الخطرة على المجتمعات.

وشهدت «قمة قادة» مجموعة العشرين خلال البيان الختامي تخصيص توصية مستقلة بمكافحة الفساد، في وقت بادرت رئاسة السعودية قبل انعقاد القمة بمبادرة عالمية تُعنى بإنشاء شبكة عمليات عالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد، التي تأتي لتكون مُكملة للمنصات والشبكات القائمة في مجال التعاون الدولي غير الرسمي، منها الشبكة العالمية لإنفاذ القانون، وشبكة موظفي إنفاذ القانون، التابعتان لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وشبكة (الإنتربول).

وقال القادة في البيان الختامي: «بكوننا قدوة يحتذى بها في مجال مكافحة الفساد حول العالم… نرحب بالاجتماع الوزاري الأول لمجموعة العشرين لمكافحة الفساد، وسنستمر في العمل على تعزيز النزاهة العالمية في الاستجابة للجائحة، ونؤيد دعوة مجموعة العشرين إلى اتخاذ إجراءات لمكافحة الفساد ومواجهة جائحة فيروس (كورونا) المستجد». ولقيت مبادرة الرياض إشادات وترحيبا دوليا، تقديرا للدور والأهمية الكبيرتين لهذه الخطوات في حفظ أمن ومقدرات الأوطان.

تاريخ المكافحة

السعودية لها باع طويل في الحرب على الفساد بكافة أنواعه، وأرست الكثير من القوانين والأنظمة التي من شأنها خلق وتوفير بيئة صحية مجتمعيا وبيئة للأعمال، حيث أنشأت الكثير من اللجان التابعة للوزارات المعنية لمحاربة كافة أشكال الفساد والجرائم بصورة عامة. في شهر مارس (آذار) من عام 2011 ظهرت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على العلن، حيث هدفت إلى حماية المال العام، ومحاربة الفساد، والقضاء عليه، وتطهير المجتمع من آثاره الخطيرة، وتبعاته الوخيمة على أجهزة الدولة ومؤسساتها، وتطال الحياة الاجتماعية ومستقبل الأجيال.

وقامت الرياض بأنشطة مقدرة في سبيل مكافحة جرائم الفساد، إذ في شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2019، صدر أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وبتوصية من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، بضم هيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.

نقطة التحول

وشكلت الحقبة التي أشرف عليها ولي العهد السعودي نقطة تحول في محاربة الفساد، ليس على مستوى السعودية فحسب، وإنما المنطقة برمتها، إذ نُفذ الوعد الذي قطعه الأمير محمد بن سلمان بأنه «لن ينجو من الفساد أحد؛ كائنا من كان»، وهو ما طبقته الجهات المعنية، وأصدرت قرارات بإجراء تحقيقات في عدة قضايا من أعلى المستويات حتى أدناها؛ سعيا وراء إعادة حقوق الدولة والمجتمع. ولقيت هذه الإجراءات إشادات دولية ثمنت هذه الخطوات التي من شأنها الدفع قدما بأحد أبرز اقتصادات العالم الناشئة، وبالتالي انعكاسها على الاقتصاد الدولي.

الدور العالمي

المكانة المهمة للمملكة العربية السعودية إقليميا ودوليا حتّم عليها تجنب الاكتفاء بأدوار داخلية، والمضي قدما نحو المساهمة في دور دولي، حيث كثفت الرياض جهودها المضنية في مكافحة الفساد من خلال مشاركة تجاربها مع دول العالم وأبرمت الكثير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم.

وتبرز من بين أهم تلك الجهود، تلك التي أصدرتها للعالم عبر رئاسة السعودية لمجموعة العشرين والتي أذكت به فتيل استئصال الفساد من خلال إطلاق مبادرة عالمية. وتُعنى مبادرة السعودية بإنشاء شبكة عمليات عالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد، التي تأتي لتكون مُكملة للمنصات والشبكات القائمة في مجال التعاون الدولي غير الرسمي منها الشبكة العالمية لإنفاذ القانون، وشبكة موظفي إنفاذ القانون، التابعتان لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وشبكة (الإنتربول).

ولقيت المبادرة إشادات وترحيبا دوليا تقديرا للدور والأهمية الكبيرتين لهذه الخطوات في حفظ أمن ومقدرات الأوطان، بحسب وصفهم.

ثمرة الجهود

استثمرت السعودية رئاستها لقمة دول مجموعة العشرين بوضع مكافحة الفساد أحد المحاور الرئيسية للقمة لأول مرة، حيث استضافت الكثير من اللقاءات وورش العمل المعنية بأفضل السبل لمكافحة الفساد.

ونتيجة للجهود السعودية شدّد وزراء مكافحة الفساد في دول مجموعة العشرين على أهمية الهيكل الدولي القائم لمكافحة الفساد، ولا سيما الالتزامات والتعهدات المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC)، بالإضافة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، واتفاقية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن مكافحة رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية وما يتصل بها من وثائق، وكذلك المعايير المُنبثقة عن مجموعة العمل المالي (FATF). وتتضمّن جميع هذه الإجراءات مجموعة متينة من التدابير التي يجب على الدول أن تتخذها لمنع ومكافحة الفساد، وعمليات غسل الأموال، والجرائم الاقتصادية الخطيرة الأخرى ذات الصلة.

المثال المحتذى

ووثقت الرياض جهودها في إصدار بيان ختامي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي صدر عن اجتماع وزاري لوزراء مكافحة الفساد في دول مجموعة العشرين استضافته السعودية، برئاسة مازن الكهموس رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد وبمشاركة ورؤساء وفود دول أعضاء المجموعة، والدول المشاركة، ورؤساء المنظمات الإقليمية والدولية؛ لمناقشة الالتزامات المناطة نحو استمرار دول العشرين في أن تكون مثالا يُحتذى به في الحرب العالمية ضد الفساد.

وأكدت الرياض وشركاؤها من دول العالم على ضرورة اجتثاث الفساد، ما اعتبرته رئاسة السعودية نجاحا بارزا وسط إجماع دول أقوى عشرين اقتصادا عالميا على رسائل كافية ووافية راعت فيه الوقت الذي يمُر فيه العالم بهشاشة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة نتيجة لجائحة فيروس «كورونا» المستجد، وهو ما دعا «دول مجموعة العشرين» إلى التشديد على التهديدات المتزايدة للفساد، والتأثير الخطير الذي تُشكله هذه الآفة على النمو الاقتصادي، والتنمية المستدامة، وجودة الاستثمار والابتكار، والثقة المُتبادَلة بين الحكومات والشعوب، معربين عن تعاطفهم العميق عن الخسائر المأساوية في الأرواح والمعاناة التي تسببت بها الجائحة.

مبادئ العشرين

ولم يغفل الوزراء، من خلال اجتماعات الرياض، تأييدهم بما يتماشى مع خطة عمل دول مجموعة العشرين لمكافحة الفساد، المبادئ رفيعة المستوى المُنبثقة عن رئاسة المملكة لدول المجموعة خلال العام 2020 المتمثلة في تطوير وتنفيذ استراتيجيات وطنية لمكافحة الفساد، وتوظيف تقنية المعلومات والاتصالات لتعزيز النزاهة في القطاع العام، وتعزيز النزاهة في عمليات الخصخصة والشراكات بين القطاعين العام والخاص.

ورحّبت دول مجموعة العشرين بالنهج الجديد لتقرير المساءلة المعني بمكافحة الفساد لدول مجموعة العشرين، الذي يُقدم للمرة الأولى، من العاصمة السعودية، استعراضا معمقا للتقدم الجماعي المُحرز لدول المجموعة في مجالي التعاون الدولي واسترداد الموجودات، الذي سوف يُسترشد به في تحديد مجالات العمل المستقبلية المحتمَلة في هذين المجالين.

العابر للحدود

اهتمت الرياض كثيرا بالتعاون بين الدول فيما يتعلق بالتحقيقات في قضايا الفساد العابرة للحدود وملاحقة مُرتكبيها، بما في ذلك، تلك القضايا التي يُتطلب فيها استرداد عائدات الجريمة، بالإضافة إلى الالتزام بتعزيز آليات التحقيق في قضايا الفساد، والاتصال وتبادل الخبرات في هذا المجال.

وشددت السعودية وشركاؤها على اتخاذ التدابير الإضافية، عند الاقتضاء؛ لمنع إساءة استخدام الكيانات الاعتبارية، وغيرها من الترتيبات القانونية، في غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، ويشمل ذلك حينما تكون جريمة الفساد هي الجريمة الأصلية.

وتعهد الجميع بمنع المجرمين من الهروب من العدالة، بغض النظر عن مناصبهم أو مكانتهم الاجتماعية، والتصدي لعمليات إخفاء عائدات الفساد عبر الحدود، ومتابعة تجريم أفعال الفساد الإجرامية وملاحقة مرتكبيها، واسترداد الموجودات المسروقة التي صُودِرَت، وإعادتها، متى ما كان ذلك مُناسبا، وبما لا يتعارض مع القوانين المحلية والالتزامات الدولية.

ولم تغفل المملكة أنّ لكل دولة من دول مجموعة العشرين قانونا وطنيا نافذا لتجريم الرشوة، بما في ذلك رشوة الموظفين العموميين الأجانب، والعمل على تعزيز الجهود الرامية إلى منع الرشوة المحلية والأجنبية وكشفها والتحقيق فيها وملاحقة مُرتكبيها ومعاقبتهم بفاعلية. وبينت بالاتفاق مع دول مجموعة العشرين أن ذلك يتطلب الالتزام بتعزيز نزاهة وكفاءة القطاع العام والخاص، والمنظمات غير الحكومية، والالتزام باتباع نهج قائم على تعدد أصحاب المصلحة في مجالَي منع الفساد ومكافحته. كما اتفقت دول المجموعة من الرياض على تعزيز الشراكات مع المنظمات الدولية والأفراد والجماعات خارج القطاع العام، بما يشمل المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية، والمنظمات المجتمعية، ووسائل الإعلام، والقطاع الخاص.

مواصلة الحرب

السعودية ومن باب الحرص على متابعة التطور الدولي في مكافحة الفساد، تحصلت على اتفاق من كافة الدول الأعضاء على متابعة جدول أعمال شامل ومتكامل لمكافحة الفساد، مع مراعاة المبادئ الأساسية لسيادة القانون وحقوق الإنسان، مستذكرين الموقف المتمثِل في عدم التسامح مطلقا مع الفساد.

مصدرالشرق الأوسط - محمد العايض
المادة السابقةمكتب وزني: لا صحة لما نسبته ALVAREZ & MARSAL إلى الوزارة
المقالة القادمةقطاع التجزئة الألماني يدعو إلى سرعة مساعدة الشركات