قنوات التوزيع تنكشف أكثر في الأزمات: أموال الضمان تتآكل

الضمان يأكل نفسه ويأكل تعويضات العمّال. هذا واقع ظاهر في التقرير الأخير الذي أعدّته إدارة الضمان عن الوضع المالي لغاية نهاية 2020. فالعجز في فرع ضمان المرض والأمومة كان يموّل منذ 2001 من أموال فرع نهاية الخدمة وتراكم ليصبح 4249 مليار ليرة. أما أموال فرع نهاية الخدمة فقد استُبيحت وفق تبرير غير معلن: فيها «فائض» لا يملكه أحد. وتحوّل الأمر إلى أمر واقع عندما استغلّ الضمان وجود «الفائض» وتكتّم عليه من أجل تغطية عجزه المتراكم في الضمان الصحي. لكن الصندوق يقف اليوم أمام استحقاق أكثر خطورة من أيّ وقت مضى: الليرة تدهورت، أسعار التعرفات الطبية ستتضاعف عاجلاً أم آجلاً ومعها ستتضاعف كلفة ضمان المرض والأمومة مرات عدّة، الكلفة الإدارية ستزداد أيضاً… هل «الفائض» ما زال خياراً متاحاً؟ الجواب في تقريرَين ماليَّين مرفوعَين إلى مجلس الإدارة؛ الأول أعدّه الاكتواري فاروق خطّاب، والثاني أعدّه المستشار المالي في الضمان حسن دياب. خلاصتهما أن فائض نهاية الخدمة يتآكل

لم يسمع أحد بوجود «فائض» في أموال نهاية الخدمة. كانت هناك مجرّد أقاويل، تشير إلى أن الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة، يوم كان وزيراً للمال، على اطلاع بوجود فائض في فرع نهاية الخدمة، وأنّ عينه كانت عليه. لم يفسّر أحد حقيقة رغبة السنيورة في السيطرة على هذا «الفائض» إلّا من باب خصخصة الضمان الاجتماعي التي ستضع الفائض بالإضافة إلى كتلة نقدية كبيرة بيد شركة خاصة معلوم سلفاً من سيملكها. بقي موضوع «الفائض» مكتوماً لفترة طويلة من دون أن يعلم أحد سبب التكتّم. الأجوبة أتت أحياناً من نوع: حتى لا يُثار الأمر ويُضاء على هذه الأموال التي يريد السنيورة وأتباعه السيطرة عليها. لكن، بمعزل عن حقيقة هذه السرديّة، فإن السنيورة لم يكن سوى ممثّل لقوى السلطة، أي أنه يمثّل توجهاتها ومن وظائفه الإشراف على واحدة أو أكثر من قنوات التوزيع الخاصة بها.

إذاً، كيف استُعمل «الفائض»؟ في كل التقارير الصادرة عن إدارة الضمان والتي اطلع عليها مجلس إدارة الضمان ولجنته الفنية، استُعملت عبارة «إمدادت مالية». تعامل الضمان بكامل أركانه مع سحب الأموال من فرع نهاية الخدمة باعتبارها مجرّد «إمدادت». لم يقبل حتى تسميتها ديوناً. وها هو اليوم يصدر تقريراً عن وجود «فائض» في أموال نهاية الخدمة يوحي بأنها «بلا أصحاب». بمعنى آخر، ثمة من يريد القول إن كل «الإمدادت» المسحوبة لتغطية العجز مبرّرة بكونها مسحوبة من فائض لا يملكه العمال في فرع تعويضات نهاية الخدمة.

يشير الخبير الاكتواري فاروق خطّاب في دراسة أعدّها للضمان عن الفائض في أموال نهاية الخدمة إلى أنه في عام 2019 بلغت قيمة الالتزامات المترتّبة على فرع تعويضات نهاية الخدمة نحو 9438 مليار ليرة فيما الأموال الجاهزة تبلغ 11585، أي أن الفائض كان يبلغ 2147 مليار ليرة، بينما في عام 2020 بلغت الالتزامات 10518 مقابل 12608 أموال الفرع الجاهزة، أي أن الفائض المزعوم بلغ 2090 مليار ليرة.

هذا الانكشاف بالعملة المحلية المتدهور، مضافاً إليه انكشاف واسع على سندات الخزينة بالليرة اللبنانية، يعكس مستوى مخاطر مرتفعاً يحوم فوق الضمان بعد مدّ اليد على أموال فرع نهاية الخدمة. فهذه الأموال، وإن كانت بالشكل النظامي ليست مملوكة من العمال، إلّا أنها حصيلة عملهم، وبالتالي لا يمكن استعمال هذه الأموال لتغطية الخسائر التي تصيب الصندوق، وبالطبع لا يمكن استعمالها أيضاً لتغطية خسائر مرتقبة، بل هي تمثّل «احتياطاً لمواجهة مخاطر عدم تسديد أصحاب العمل الاشتراكات والتسويات المتوجبة عليهم» بحسب ما يقول المستشار المالي. وهو يشير إلى أن دور الصندوق في تأمين الحماية الاجتماعية يفرض عليه الاستمرار بدفع تعويض نهاية الخدمة لأصحاب الحقّ».

مصدرجريدة الأخبار
المادة السابقةتعميم من وزارة السياحة عن التخفيف التدريجي للإغلاق.. ماذا جاء فيه؟
المقالة القادمةلاغارد: لن نشهد عودة اقتصاد اليورو لمستويات ما قبل الجائحة قبل منتصف 2022