قوة الدولار العنيدة تنغص على الشركات جني الأرباح

تواجه مجموعة كبيرة من الشركات حول العالم، ولاسيما الأميركية منها، مشكلة لم تكن تتوقع مواجهتها هذا العام، ألا وهي ارتفاع قيمة الدولار بشكل نغص على قطاع الأعمال جني المزيد من الأرباح.

ويعتقد العديد من محللي نشاط الأسواق وأصحاب الأعمال أن العملة الأميركية ستنخفض على خلفية تخفيضات أسعار الفائدة التي توقعها كل من المستثمرين والاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) لعام 2024.

ولكن هذه التخفيضات لم تأت بعد، كما أن مؤشر الدولار الذي يقيس قوة العملة الأميركية مقابل سلة من العملات الأجنبية، بقي سقفه عاليا بنسبة 4 في المئة هذا العام، وقد ارتفع بمقدار 16 في المئة خلال السنوات الثلاث الماضية.

وفي حين أن هذه المكاسب تعكس القوة النسبية للاقتصاد الأميركي، فإن ارتفاع الدولار يمكن أن يمثل مشكلة لبعض الشركات.

وتجعل العملة الأميركية القوية تحويل الأرباح الأجنبية إلى دولارات أكثر تكلفة بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات، بينما تضر أيضا بالقدرة التنافسية لمنتجات المصدرين.

ويرى خبراء أن الشركات يتعين عليها أن تحترس من قوة الدولار أيضا وأن تكرس مواردها لإستراتيجيات التحوط التي تعمل على التعويض عن التأثيرات التي يخلفها ارتفاع قيمة العملة على أرباحها النهائية.

ووفقا لتقديرات شركة بوفا غلوبال للأبحاث، فإن كل ارتفاع بنسبة 10 في المئة بقيمة الدولار على أساس سنوي يخفض حوالي 3 في المئة من أرباح مؤشر ستاندرد آند بورز 500.

وتأتي قوة الدولار بين يناير ومارس من هذا العام خلال فترة من أرباح الشركات القوية. ومع إعلان ما يزيد عن 80 في المئة من مؤشر ستاندرد آند بورز 500 عن نتائج الربع الأول، فإن الشركات تسير على الطريق الصحيح لزيادة الأرباح بنسبة 7.8 في المئة.

وهذه النسبة أكبر من توقعات النمو بنسبة 5.1 في المئة خلال أبريل الماضي، بحسب شركة أل.أس.إي.جي آبيس. ومع ذلك، فقد ذكرت شركات كثيرة بينها أبل وآي.بي.أم وبركتر آند غامبل أن النقد الأجنبي يمثل قوة معاكسة.

وقال أندرو غيغ، نائب الرئيس الأول لشركة كيريبا للحلول المالية والخزانة، لرويترز إن الدولار القوي “سبب الكثير من الذعر”. وأضاف “يطلب المديرون الماليون من فرق الخزانة لديهم أن يكونوا أكثر جدية في إدارة المخاطر التي تأتي من هذا الدولار القوي”.

وتتغذى مكاسب الدولار على قوة الاقتصاد الأميركي، مما يؤدي إلى تآكل التوقعات بشأن مدى قدرة الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة هذا العام.

وتظهر أسواق العقود الآجلة أن المستثمرين يسعرون حوالي 50 نقطة أساس لتخفيضات أسعار الفائدة لعام 2024، مقارنة بأكثر من 150 نقطة أساس متوقعة في بداية العام. ونتيجة لذلك، أصبحت العائدات في الولايات المتحدة أعلى من تلك الموجودة في العديد من الاقتصادات الأخرى، مما يعزز جاذبية الدولار على العملات الأخرى.

وقال آمو ساهوتا، مدير شركة إدارة مخاطر الصرف الأجنبي كلاريتي أف.إكس في سان فرانسيسكو، “كان جميع ممارسي سوق العملات الأجنبية تقريبا يتوقعون أن يكون الدولار أضعف هذا العام مع توقع انخفاض أسعار الفائدة الأميركية”.

وأضاف “كانت الشركات تلعق شفاهها، وتنتظر بشكل أساسي أن تستمر في ذلك”.

ولا تتأثر جميع الشركات المدرجة على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بالتساوي بتقلبات الدولار. وأظهرت بيانات شركة فاكت سيت أن قطاعات تكنولوجيا المعلومات والمواد وخدمات الاتصالات تتصدر القائمة الأكثر تعرضا للإيرادات الدولية.

وذكرت سيت في مذكرة أن شركات التكنولوجيا حصلت على ما يصل إلى 57 في المئة من إجمالي إيراداتها على التوالي من الخارج، بينما حصلت شركات المواد على 52 في المئة وشركات خدمات الاتصالات على 48 في المئة.

وفي الربع الماضي، أعلنت شركة كوكا كولا عن تراجع في قيمة العملة بنسبة 9 في المئة، مشيرة إلى أن ذلك كان مدفوعا بانخفاض قيمة العملة في الأسواق التي تشهد تضخما شديدا.

وذكرت مجموعة أم 3 أن العملات الأجنبية أثرت سلبا على الهوامش المعدلة بنسبة 0.6 نقطة مئوية أكبر من المتوقع، في حين أشارت أبل إلى ما يقرب من أربع نقاط مئوية من التأثير السلبي للنقد الأجنبي على إيراداتها الفصلية.

ولمنع تحركات أسعار الصرف التي تؤدي إلى تقلبات كبيرة في الأرباح، تستخدم الشركات إستراتيجيات التحوط المختلفة بما في ذلك تلك التي تستخدم العقود الآجلة وعقود الخيارات.

ولاحظت بعض الشركات التي تقدم المشورة بشأن إدارة مخاطر العملات الأجنبية ارتفاعا في نشاط التحوط في الأسابيع الأخيرة رغم أن أسواق العملات الأكثر هدوءًا جعلت التحوط مسألة أقل إلحاحا بالنسبة إلى بعض الشركات حتى مع ارتفاع الدولار.

وفي مارس الماضي، انخفض مؤشر دويتشه بنك لتقلبات العملة إلى أدنى مستوى له منذ سبتمبر 2021.

وقال جون دويل، رئيس قسم التداول والتعامل في شركة مونيكس، “قرب نهاية الربع الأول، شهدنا بعض الرضا على جبهة التحوط. وانخفضت تقلبات العملة إلى أدنى مستوى لها منذ عدة سنوات، مما أدى إلى عدم وجود شعور بالإلحاح”.

ومع ذلك، أشار دويل في تصريح لرويترز إلى “أننا قد شهدنا ارتفاعا مؤخرا في التحوط خلال الشهر ونصف الشهر الماضيين”. وقال كارل شاموتا، كبير إستراتيجيي السوق في شركة المدفوعات كورباي، إن المستوى الضعيف لتقلبات العملة قد يجعل بعض الشركات “شبه راضية للغاية عن المخاطر التي تواجهها”.

ويرى محللون في بوفا غلوبال للأبحاث إنه في حين أنهم يعتقدون أن الدولار سوف يضعف في نهاية المطاف على المدى المتوسط، إلا أن “نقطة التحول أصبحت أصعب بمرور الوقت”. وأكدوا أن قضية التحوط من المخاطر الصعودية للدولار الأميركي لبقية العام قد نمت بشكل ملموس بالنسبة للشركات الأميركية.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةقطاع الكهرباء في سوريا يحصي الثمن الباهظ للحرب
المقالة القادمةالاتحاد الأوروبي يرفع توقعاته لنمو منطقة اليورو وسط تراجع التضخم