باشرت الإدارة الأميركية إبلاغ العاملين لديها بـ«إغلاق» وشيك من شأنه إرسال ملايين الموظفين الفيدراليين والعسكريين إلى منازلهم موقتا، أو جعلهم يعملون بلا أجر، ما لم يتوصل الكونغرس إلى اتفاق أخير في شأن الميزانية.
وغالبا ما يتحول التصويت على الميزانية في الكونغرس إلى مواجهة يستخدم فيها أحد الحزبين، الجمهوري أو الديمقراطي، شبح الإغلاق لانتزاع تنازلات من الخصم، لكن هذه المناورات عادة ما تبوء بالفشل.
فمن دون التوصل إلى اتفاق، سينتهي تمويل جزء كبير من الحكومة الفيدرالية عند منتصف ليل السبت (04:00 بتوقيت غرينتش الأحد)، ما يهدد بتعطيل كل القطاعات. وإذا ما استمر الإغلاق، فإنه سيوجه ضربة أخرى للاقتصاد الأميركي غير المستقر.
وبعد أربعة أشهر على تجنبه تخلفا كارثيا عن سداد الديون، يقف أكبر اقتصاد في العالم مرة جديدة على شفير أزمة مع توقع أن تبدأ مفاعيل الإغلاق بالظهور في نهاية هذا الأسبوع.
وتعذر على الجمهوريين الذين يحظون بالغالبية في مجلس النواب إقرار مجموعة مشاريع القوانين المعتادة التي تحدد ميزانيات الإدارات للسنة المالية المقبلة التي تبدأ الأحد، بعدما أعاق جهودهم متطرفون في الحزب يطالبون بخفض كبير للإنفاق.
وقد أبلِغ بعض الموظفين الفيدراليين بالاستعدادات لحصول «إغلاق»، وفقا لإشعار اطلعت عليه «وكالة الصحافة الفرنسية».
وحذرت وزارة الصحة في رسالة بالبريد الإلكتروني أرسلتها الخميس إلى موظفين واطلعت عليها «وكالة الصحافة الفرنسية» من أن الأفراد المبلغين مسبقا سيخضعون موقتا لبطالة فنية «ما يعني أنه لن يسمح لهم بالعمل أو باستخدام موارد الوزارة». وسيتعين عليهم بالتالي الانتظار حتى نهاية «الإغلاق» لتلقي رواتبهم بأثر رجعي.
واستمرت أطول فترة من شلل الميزانية في الولايات المتحدة 35 يوما بين ديسمبر (كانون الأول) 2018 ويناير (كانون الثاني) 2019.
لكن العمل بالخدمات التي تُعد «أساسية» سيتواصل. والحل الوحيد لتجنب الإغلاق هو التوصل إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة بين الديمقراطيين والجمهوريين.
وستشهد وزارة الصحة «انخفاضا في عدد الموظفين في كل الأقسام تقريبا طوال هذه الفترة»، حسب ما جاء في تفاصيل البريد الإلكتروني الذي تلقاه الموظفون. وقالت الوزارة إن «الكثير من برامجنا وأنشطتنا الأساسية سيستمر، لكن مع عدد أقل من الموظفين».
من جهتها قالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) سابرينا سينغ إنه في حال حصول شلل لبضعة أيام فقط، «سيضطر جنودنا إلى مواصلة العمل لكنهم سيفعلون ذلك بلا أجر… وسيكون آلاف من زملائهم المدنيين في فترة بطالة»، وأضافت أن «الإغلاق هو الوضع الأسوأ، لذلك نواصل مطالبة الكونغرس بتأدية عمله وتمويل الحكومة».
ومن شأن الإغلاق أن يضع في مهبّ الريح الموارد المالية المخصصة للعاملين في المتنزهات الوطنية والمتاحف وغيرها من المواقع التي تعمل بتمويل فيدرالي، كما يمكن أن تكون له تداعيات سياسية خطرة على الرئيس جو بايدن في سعيه إلى الفوز بولاية ثانية في انتخابات 2024.
وفيما يتعلّق بقطاع النقل، يمكن أن تكون لـ«الإغلاق» عواقب «مدمرة وخطرة»، وفق ما حذر وزير النقل الأميركي الأربعاء.
من جهتها قالت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي صباح الخميس في مؤتمر صحافي، إنها ترى أنّ هذا الوضع يُعدّ «خطرا على الاقتصاد الأميركي يمكن تجنّبه». وأضافت جولي كوزاك: «نشجّع الأطراف على التوصّل إلى توافق في شأن طرق تمويل الحكومة الأميركية».
ومضى مجلس الشيوخ الأميركي الذي يقوده الديمقراطيون قدما يوم الخميس في مشروع قانون تمويل مؤقت يهدف إلى تجنب إغلاق جزئي للحكومة للمرة الرابعة خلال عشر سنوات.
وأقر مجلس النواب ثلاثة من أربعة مشاريع قوانين لتمويل أجزاء من الحكومة، على الرغم من أن مشاريع القوانين الحزبية لن تمنع وحدها الإغلاق، حتى لو تمكنت من التغلب على المعارضة القوية من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ وأصبحت قانوناً.
وكان مجلس الشيوخ قد صوت في وقت سابق من الخميس بأغلبية 76 صوتاً مقابل 22 لفتح مناقشة حول مشروع قانون مؤقت يعرف باسم القرار المستمر، أو CR، والذي من شأنه تمديد الإنفاق الفيدرالي حتى 17 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتفويض ما يقرب من 6 مليارات دولار لكل تمويل ومساعدات للاستجابة للكوارث المحلية.
وقد رفض الجمهوريون، الذين يسيطرون على مجلس النواب، بالفعل هذا الإجراء الذي اتخذه مجلس الشيوخ. ورفض الجمهوريون في مجلس النواب مستويات الإنفاق للسنة المالية 2024 المحددة في صفقة تفاوض عليها رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي مع بايدن في مايو (أيار).
وتضمنت الاتفاقية 1.59 تريليون دولار من الإنفاق التقديري في السنة المالية 2024. ويطالب الجمهوريون في مجلس النواب بتخفيضات أخرى بقيمة 120 مليار دولار، بالإضافة إلى تشريعات أكثر صرامة من شأنها أن توقف تدفق المهاجرين على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك.
وتركز معركة التمويل على شريحة صغيرة نسبيا من الميزانية الأميركية البالغة 6.4 تريليون دولار لهذه السنة المالية. ولا يفكر المشرعون في إجراء تخفيضات على برامج المزايا الشعبية مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية.
ويواجه مكارثي ضغوطا شديدة من تجمعه الحزبي لخفض الإنفاق وتحقيق أولويات محافظة أخرى. وهدد كثير من المتشددين بإطاحته من دوره القيادي إذا مرر مشروع قانون الإنفاق الذي يتطلب إقرار أي أصوات ديمقراطية.
رفض مجلس النواب مشروع قانون بشأن التمويل الزراعي بأغلبية 237 صوتاً مقابل 191 صوتاً. وقد رفضه سبعة وعشرون من الجمهوريين من حزب مكارثي، وأغلبهم من المعتدلين في المناطق التنافسية الذين كانوا قلقين بشأن التخفيضات الحادة في التمويل، فضلاً عن البند الذي يحد من الوصول إلى أدوية الإجهاض.
واقترح مكارثي يوم الخميس أنه يمكن تجنب الإغلاق إذا وافق الديمقراطيون في مجلس الشيوخ على معالجة قضايا الحدود في إجرائهم المؤقت. وقال مكارثي للصحافيين في مبنى الكابيتول الأميركي: «تحدثت هذا الصباح مع بعض أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين هناك الذين هم أكثر توافقا مع ما نريد أن نفعله. إنهم يريدون أن يفعلوا شيئا بشأن الحدود».