«كابيتال كونترول» بلا موافقة صندوق النقد

تشهد جلسة لجنتي المال والموازنة والإدارة والعدل، في مجلس النواب اليوم، منازلة حول مشروع الـ«كابيتال كونترول»، لا سيما النسخة التي تبنّاها رسمياً مستشار رئيس الحكومة النائب نقولا نحاس. تتضمن هذه النسخة تعديلات عدة، هناك قناعة سائدة لدى الخبراء القانونيين بأن المادة الثامنة من اقتراح القانون المكرر المعجل لا لزوم لها سوى محاولة حماية المصارف من الدعاوى المحلية والخارجية المرفوعة ضدّها من المودعين. هذه المحاولة غير محسومة النتائج لجهة الدعاوى خارج لبنان، إذ لا شيء يلزم المحاكم الأجنبية تطبيق القانون اللبناني، ولا شيء يلزمها بأن تتعامل مع دعاوى سابقة مرفوعة أمامها، وفق قانون لبناني يعمل بمفعول رجعي بل قد تعتبره تلاعباً بحقوق المستهلك.

وتنصّ المادة الثامنة من اقتراح القانون الذي تبنّاه نحاس، على «أنّ أحكام هذا القانون هي استثنائية، ومن النظام العام، وتطغى على كل نصّ يتعارض معها، وتطبّق فوراً بما في ذلك على التحاويل التي لم تنفّذ بعد، كما تطبّق على الدعاوى والمنازعات في الداخل والخارج التي لم يصدر فيها حكم مبرم وغير قابل لأي طريق من طرق المراجعة وذلك خلال مدّة نفاذه».

تبنّي نحاس لهذا المشروع لا يعني أنه اقتراحه حصراً، بل هو ثمرة اتفاق مشترك مع فريق العمل الذي يرأسه نائب رئيس الحكومة سعاده الشامي. وأحد العاملين الرئيسيين على إعداده هو مروان مخايل الذي عيّن أيام حكومة الرئيس حسان دياب عضواً للجنة الرقابة على المصارف واستقال في تشرين الثاني 2020 لينضم إلى صندوق النقد الدولي. لكن مخايل طلب من الصندوق استيداعاً من وظيفته يمتد لغاية توقيع اتفاقية القرض مع صندوق النقد، للعمل ضمن فريق ميقاتي. أما نحاس، فتولّى الإشراف النهائي على اقتراح القانون لجهة وضع الملاحظات والتعديلات، وأعدّ «الأسباب الموجبة» لتبرير منح الصلاحيات الاستنسابية لمصرف لبنان.

على أي حال، جرى تبرير المادة الثامنة، بأمرين:

– توفّر حماية لخروج الأموال من لبنان بفعل أي دعاوى خارجية. وبحسب مصدر في فريق العمل الحكومي فإنه من «الصحيح أننا نريد استباق الدعاوى الخارجية حتى نوقف تحويل أموال المودعين إلى الخارج في حال صدر الحكم ضدّ المصارف وفرض عليها ردّ الوديعة، وليس من أجل حماية المصارف. قد يكون هدفنا تلاقى مع مصلحة المصارف، ولكن ليس هذا الهدف».
– يوفّر حماية لنصيب المودعين في لبنان مما تبقى من أموال. فليس من العدل أن يحصل مودعون لديهم جنسية أجنبية أو مسجلون كمقيمين في بلدان أجنبية، ولديهم قدرة على رفع الدعاوى خارج لبنان والفوز فيها، أموالاً لن ينالها أي مودع في لبنان.

يقول محام لبناني يعمل في الخارج منذ فترة طويلة ومتخصص في هذا النوع من العقود، إن الدعاوى المرفوعة ضدّ لبنان في محاكم أوروبا تحديداً، مبنية على حقوق المستهلك التي تعطي هذه المحاكم صلاحية تجاوز ما يتضمنه العقد لجهة المحاكم الصالحة للنظر في القضية. لكن جرت العادة أن يطبق القانون اللبناني في الخارج، وخصوصاً في فرنسا. غير أن المحامي نفسه لا يستبعد عدم قبول المحاكم الأوروبية بالمفعول الرجعي لقانون الـ«كابيتال كونترول»، لا بل يوافق على أنه من المعقول اعتبار صدور هذا القانون كأنه غشّ ضد المستهلك وتلاعب بحقوقه، ولا سيما أنه في الوقت الذي رفعت فيه الدعاوى جرت تحويلات إلى الخارج. «هذا الأمر لا يمكن إسباغ الصدقية عليه من دون تحقيق جدّي حول التحويلات (الأموال المهرّبة) يفضي إلى نتائج واضحة في توزيع المسؤوليات والمحاسبة».

في ظل هذا النقاش، تبدو الحكومة بعيدة عن أهدافها الضيقة. فحتى لو أرادت حماية المصارف، ستكون مضطرة لأن تواجه قضاء حقيقياً في الخارج، وستضطر للتنازل عن السيادة القضائية في لبنان إذا أرادت توقيع برنامج مع صندوق النقد الدولي. إدراج المادة الثامنة بهذا الشكل سيلغي حقوق المودعين الذين لا قضاء آخر يلجأون إليه، وسيترك الخارج مفتوحاً على محاولة محفوفة بمخاطر الغشّ والتلاعب.