أثار فرض ضريبة (أو غرامة) على المستفيدين من الدعم ومن عمليات «صيرفة» قلق كارتيل النفط. يرفض مستوردو المحروقات تسديد 10% من هذه الأموال متذرّعين بمبادئ قانونية، وكأنهم ليسوا كارتيلاً يشكّل جزءاً أساسياً من السلطة التي أتاحت لهم الربح المضمون بلا مخاطر على مدى أكثر من 30 عاماً
أول من أمس سارع كارتيل النفط إلى تنفيذ إضراب والامتناع عن توزيع مادتَي المازوت والبنزين. ذريعته أن الدعم كان شرعياً، وأن ما حقّقته الشركات المستوردة للمحروقات من أرباح في ذلك الوقت كان شرعياً أيضاً. وفور انتشار خبر الإضراب، بدأت محطات الوقود تشهد تهافتاً من المستهلكين خوفاً من انقطاع هذه المواد الحيوية من السوق. وأمس، عقد رئيس نقابة الكارتيل مارون شمّاس، مؤتمراً صحافياً لتبرير هذه الخطوة التصعيدية مستنداً إلى عدم جواز فرض ضريبة بمفعول رجعي. وقدّر أن تتكبّد الشركات المستوردة في عامَي 2021 و2022 نحو 700 مليون دولار إذا فُرضت الضريبة على حجم الأعمال الذي يصل إلى 3.5 مليارات دولار سنوياً. وقال شماس: «الدعم هو قرار حكومي، ومن استفاد منه هو المواطن أي المستهلك»، وسأل: «من أين ستأتي الشركات بهذه الأموال لتدفعها؟ هل ستدفع الدولة ضريبة الـ 10% على ما استوردته منشآت طرابلس والزهراني والذي تبلغ قيمته مليار دولار ونصف مليار؟». وألمح إلى شعبوية النواب مشيراً إلى أنهم «تسرّعوا، ويجب أن يصحّحوا هذا الخطأ. هذا القانون لا يُطبّق ولا أساس له».اعتراض كارتيل النفط متوقّع بمعزل عن الجدال المتّصل بفرض هذه الضريبة لجهة كونها بمفعول رجعي، أو بكونها تصيب حجم الأعمال (حجم المبيعات) بدلاً من الأرباح. لكن سرعة التصعيد تُعدّ مؤشراً إلى شراسة الكارتيل ورغبته في تحذير وتحدّي السلطة السياسية بأنه يمنع المسّ بأرباح الشركات، وإلا فإن الكارتيل سيمارس وظيفته التي خُلق من أجلها. ففي السنوات الأربع الماضية (2020 -2023 «لغاية آب») استورد الكارتيل بنزيناً ومازوتاً وغازاً وكازاً للطيران بقيمة تُقدّر بنحو 12.4 مليار دولار. وهذه كلفة الاستيراد المسجّلة لدى الجمارك اللبنانية، لا تتضمن الأرباح بمعدل 5% كما يرد في جدول تركيب الأسعار. وتُقدّر الأرباح في هذه الفترة بأكثر من 600 مليون دولار، أي بمعدل وسطي يتجاوز 150 مليون دولار سنوياً. وهذا الرقم لا يشمل أرباحهم من شركات التوزيع ومن مبيعات محطات المحروقات التي يملكون أكثر من 60% منها. وكمية الربح المقدّرة لا تشمل أيضاً عمليات التلاعب التي تتعلق بالفروقات في تسعير النفط يوم التحميل والشحن والتفريغ وغير ذلك من الثغرات في جدول تركيب الأسعار التي تتيح لهم تهريب الأرباح.
في الواقع، ليست هذه الخطوة التصعيدية وظيفة مستحدثة للكارتيل بعد الأزمة، بل هي تنسجم مع وجود تركّز احتكاري في سوق استيراد المحروقات وتوزيعها وبيعها للعموم. فمنذ أكثر من 30 عاماً، كانت أرباح مستوردي النفط مضمونة بالكامل بلا أي مخاطر خلافاً لمبدأ الأرباح مقابل تحمّل المخاطر. فالليرة كانت ثابتة ومدعومة من عام 1997 إلى عام 2019، ما يعني تعزيزاً لاستهلاك منتظم بمعدل نموّ ثابت للبنزين والمازوت في ظل غياب للنقل العام مقابل أرباح ثابتة بمعدل 5%. كما أن غياب الكهرباء فاقم من استيراد المازوت لتعويض ساعات التغذية من مؤسّسة كهرباء لبنان عبر مولّدات الأحياء. كما أن تسعيرة مبيعات المحروقات في السوق كانت متفقاً عليها في جدول تركيب الأسعار، واستفادت الشركات المستوردة من دولرة مبيعات المازوت أولاً ثم البنزين بعد رفع الدعم، علماً أنها في أيام الدعم لم تكن تلتزم بالسعر الرسمي بل فرضت رسوم نقل إضافية كبيرة جداً تحمّلها المستهلك على المازوت واستعملها أصحاب المولّدات لمضاعفة فواتيرهم أيضاً. دورة مبيعات البنزين والمازوت بهذا الشكل كان لها أثر واسع على كل سلسلة الإنتاج والتوريد.