كارثة تنتظر الموسم الزراعي

لم يسبق لطوني فرج، من سهل «الأرض الجميلة»، كما يطلق على بلدة تربل البقاعية، أن استعان بمضخات لريّ حقول القمح في كانون الثاني الذي يطلق عليه «فحل الشتاء».

مئات من الدونمات المزروعة بالقمح والزراعات الشتوية من الحبوب والشعير والبصل والبقوليات تحتاج إلى إعادة زراعتها من جديد بسبب انحسار الامطار، ما أدى إلى موت البذار، فيما يلجأ عشرات المزارعين الى الريّ من الآبار الجوفية. ويحذّر رئيس نقابة مزارعي القمح والحبوب في لبنان خالد شومان من أن يؤدي انحباس الأمطار إلى انتشار آفات وأمراض زراعية داخل حقول القمح، ومن «الأسوأ المتمثل في تراجع الكميات المنتجة».

يصنّف شومان القمح كأكثر الزراعات المتضررة من الانحباس المطري، إذ إن «هذه زراعة فقراء المزارعين الذين لا يستطيعون تكبّد تكاليف سحب المياه من الآبار للري»، إضافة إلى أن على كثيرين منهم زراعة حقولهم مجدداً «وهذه كلفة إضافية تثقل كاهلهم».

وحتى اليوم، لا يتجاوز حجم الهطولات المطرية لشهر كانون الثاني أكثر من ٨ ملليمترات، فيما المعدل لهذا الشهر يفترض أن يتجاوز 150 ملليمتراً. وبحسب مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في تل عمارة، تراجعت الهطولات المطرية في كل المناطق ولا تتجاوز 50% من المعدلات العامة لهذه الفترة من السنة. فعلى سبيل المثال، وصل حجم المتساقطات التراكمية في رياق إلى 120ملليمتراً مقابل 403 ملليمترات للفترة نفسها من العام الماضي، فيما يبلغ المعدل العام 350 ملليمتراً.

وفي بيروت، لا يتجاوز الحجم التراكمي لهذه السنة الـ 265 ملليمتراً مقابل 932 ملليمتراً العام الماضي، و507 ملليمترات للمعدل العام. وفي الشمال وصل الحجم التراكمي الى 231 ملليمتراً مقابل 730 ملليمتراً العام الماضي و584 ملليمتراً المعدل العام. وجنوباً، بلغت الهطولات المطرية التراكمية لهذه السنة 312 ملليمتراً مقابل 683 ملليمتراً العام الماضي و552 ملليمتراً المعدل العام. فيما بلغت الهطولات المطرية في كسروان 293 ملليمتراً مقابل 1157 ملليمتراً العام الماضي و600 ملليمتر المعدل العام.

«أقسى ما يمكن أن نقدمه في نشراتنا الإرشادية هو الطلب من مزارعي القمح ريّ حقولهم في مثل هذا الشهر»، يقول المدير العام لمصلحة الأبحاث الزراعية ميشال افرام، مشيراً إلى أن لبنان شهد مثل هذا الانحباس عام 2017. ويؤكد أن انحسار الأمطار «يشكّل خطراً على الزراعة، وعلى المياه الجوفية التي ستتعرض لمزيد من الاستنزاف، والأخطر هو تردي الواقع البيئي وارتفاع نسب التلوث الجرثومي والكيميائي، بسبب ارتفاع حجم المخلفات الملوثة مقابل تراجع الهطولات المطرية، ما سيضاعف معدلات التلوث التي تتركز في المستنقعات المائية والأنهر والمياه الجوفية والمسطحات المائية كبحيرة القرعون»، إضافة إلى «زيادة أعداد فئران الحقل والأمراض والآفات الزراعية».

ورغم توقعات مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية بهطول أمطار، بدءاً من يوم غد وحتى الأحد المقبل مع احتمال تساقط ثلوج على ارتفاع 1500 متر، يشير افرام إلى أن هذه السنة «ستكون سنة مائية صعبة وجافة تتطلّب ترشيد استعمال المياه». ويلفت إلى أن الثلوج التي تلي احتباس المطر تشكّل خطراً على الأشجار المثمرة والبطاطا والقمح والخضر. ويوضح أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي الى تفتح براعم الأشجار المثمرة كاللوزيات في غير مواقيتها المعتادة، والتأثر بالأمطار والثلوج ودرجات الحرارة المنخفضة سيؤدي حتماً الى يباس هذه البراعم وتراجع في الكميات المنتجة من الفاكهة.

وتختصر بحيرة القرعون مشهد الجفاف بفعل انحسار الأمطار، إذ لا يتجاوز حجم مخزونها الحالي الـ 23 مليون متر مكعب من المياه، بحسب المدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية.

ويتوقع أن تبلغ كمية المياه التي ستصل الى بحيرة القرعون في نهاية هذه السنة المائية حوالي 120 مليون متر مكعب، فيما يبلغ المعدل السنوي لهذه الكميات (على مدى ستين عاماً) 320 مليون متر مكعب. وهذا التراجع سينعكس سلباً على توليد الطاقة الكهرومائية، وأن يصل إنتاج معامل الليطاني هذا العام إلى 250 مليون كيلوواط/ ساعة، فيما يبلغ المعدل السنوي لهذا الإنتاج 520 مليون كيلوواط/ ساعة. وتوقّع علوية تضاعف مستوى التلوث في البحيرة ومجرى نهر الليطاني بين مرتين وثلاث مرات، محذّراً من إقدام المزارعين على سحب المياه الملوثة بالصرف الصحي واستعمالها في الريّ.

ولأنها «سنة مائية صعبة جداً»، وفق الخبراء، لن تتكفل الأشهر الباقية في تغيير هذا التوصيف. لذلك، ينصح هؤلاء بترشيد استعمال مياه الآبار الجوفية التي وصلت أعماقها في بعض القرى الى أكثر من 500 متر بعدما كان معدلها لا يتجاوز 200 متر، علماً أن كلفة السحب تتضاعف مع زيادة العمق، وهو ما يرتّب أكلافاً إضافية على المزارعين.

مصدرجريدة الأخبار - سامر الحسيني
المادة السابقةتلزيم ركام الضاحية بـ 3.65 دولارات للمتر المكعب
المقالة القادمةالودائع نقطة خلافية مع صندوق النقد