بات معلوما أن ما من عامل في مصلحة لبنان. فالبنك الدولي حذّر من عامل الوقت الذي قد يؤثر سلباً على الإصلاحات التي إلتزم بها لبنان في مؤتمر “سيدر”، وخصوصا الكهرباء والموازنة، “لأن الخيارات بدأت تضيق، ولا بد من خطوات تسمح في السير بالإصلاحات المطلوبة لتحسين مستوى الإقتصاد الذي يكاد يقارب الخطوط الحمر”.
بدورها، رأت وكالة “موديز” في تقريرها الأخير “أن أي تدهور في الأوضاع السياسية المحلية أو في البيئة الجيوسياسية بشكل يعيق جدول تطبيق إصلاحات “سيدر” المنشودة، من شأنه ان يحدّ بدوره من مستويات الثقة، ويشوّش على النشاط الإقتصادي، ويزيد من معاناة الشركات وأصحاب الأعمال من البنى التحتية المهترئة”.
وكانت وكالتا “فيتش” و”ستاندرد أند بورز” (الأولى خفضت تصنيف لبنان إلى مستوى C، والثانية حذرته من مخاطر قد تضطرها لخفض التصنيف) قد شددتا على تنفيذ الإصلاحات الضرورية لتأمين مالية عامة مستدامة على الأمد الطويل وإعادة الثقة بالإقتصاد اللبناني.
هل من حاجة بعد إلى مزيد من التحذيرات؟
يبدو وكأن لبنان يغفل ما يصله من رسائل. فالمناكفات السياسية المستمرة تبقي ملف الكهرباء أسير الخلافات حول “الحلول الموقتة” وأصول المناقصات، فيما موازنة 2019 قابعة في وزارة المال منذ آب/أغسطس الماضي في إنتظار تعديلات تجعلها تتلاءم ومتطلبات “سيدر”. ويبدو أن الوزارة حائرة في تحديد آليات لخفض العجز بنسبة 1% على مدى 5 سنوات من دون إصلاحات فعلية وضرائب جديدة تدرك إستحالة فرضها في زمن الركود.
كيف السبيل إلى الخلاص؟
مَن يتتبع الأداء الرسمي، يرى أن لبنان غير مستعجل لإثبات صك براءته أمام المجتمع الدولي مما لوثته به مؤتمرات باريس (1 و2 و3) لجهة إخلاله بوعوده الإصلاحية، فكان أن بادلته الدول المانحة بالمثل، بدليل أن ما حصلّه لم يتجاوز نصف المرصود له: “باريس 1” 500 مليون يورو، “باريس 2″ 4.4 مليار يورو، و”باريس 3” 7.5 مليار دولار. فما سيكون مصير “سيدر” والـ11.5 مليار دولار؟
تحرص السلطة السياسية على وضع أجندة الأولويات… على الورق. فالإصلاحات تبقى أسيرة التصريحات، ولم تتحوّل بعد برامج جدية قادرة على ضبط الإنفاق العام وتعزيز الإيرادات من غير بند زيادة الضرائب أو رفع تعرفة الكهرباء قبل الإصلاح الكفيل بإيجاد الحلول الدائمة لا الموقتة. أما مكافحة الفساد فلا تغدو أكثر من موجات إنفعالية تطال مديرين وموظفين لا كبار المسؤولين… بما يبقيها شعارا خالي المضمون، إن لم تلتصق بإرادة سياسية تحوّلها قرارات قابلة للتنفيذ.
كان يأمل اللبنانيون في أن تعلن الحكومة “حال الإستنفار الشامل” بحثا عن سبل الإنقاذ، فتتحوّل الإجتماعات إلى خلايا ناشطة مفتوحة على تعاون ما بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لإعداد ما يتوجّب لمقررات “سيدر” وأخواته، أي مما يبقى مفتوحا من ملفات داخلية تثقل بأزماتها كاهل الاقتصاد، ولا تحتاج إلا إلى قرارات لحلول طبيعية غير مكلفة.
وحين تتقاعس السلطة عن القيام بواجباتها، يُفرِغ الطابور الخامس في زمن “التواصل الاجتماعي”، ما يشتهيه من محاولات تخريب وتضليل لإحداث مناخ يساعد في قلب الموازين والمقاييس. وللغاية، يبثّ شائعات يتمّ تداولها بشكل “فيروس” Viral.
الخبر الذي تفشّى قبل أيام، إتخذ عنوان “كارثة على الطريق” لمزيد من الإثارة على كشف مضمون مكشوف منذ زمن. في المعلوماتٍ، ما يبشّر بقرب “إنهيار الجمهورية اللبنانية” بين الربع الاخير لـ2019 والربع الاول لـ2020… وكأن للإنهيار زمان يتحدّد لا مؤشرات تتكلم! وتقول المعلومات إن “السلطة السياسية سلمت بالأمر الواقع” مع ضياع فرصة الإنقاذ، “ولا أحد يستطيع فعل شيء لتجنب الكارثة. فالدولة أمام خيارين: إما إعلان الإفلاس أو كسر الإستقرار النقدي لمستويات خيالية”… وكأن منظومة مطلقي الشائعات أصدرت أحكاما مبرمة: الإفلاس أو الليرة!
إضطربت نفوس بعضهم قلقا من غدٍ غير واعد رغم أن المعطيات الـ11 التي وردت في المعلومات، خضعت لنقاشات بعدما إنعكست على مفاصل الحياة اليومية. ومنها سلسلة الرتب والرواتب التي فاقت كلفتها الـ1.8 مليار دولار بينما قُدّرت بـ800 مليونا فقط، والضرائب التي لم تأت إيراداتها بما رصدته موازنة “حكومة إستعادة الثقة”. ومَن خفيت عنه التوظيفات الإنتخابية لنحو 5 آلاف؟ والأهم ما ورد بشأن “إستحقاق الأموال المستدانة في “مؤتمر باريس 3” في حزيران/يونيو المقبل والمقدرة بـ12 مليار دولار”… علما أن إستحقاقات العام تلامس الـ2 مليار دولار، موزعة على نيسان/أبريل (500 مليون دولار) وأيار/مايو (650 مليونا) وتشرين الثاني/نوفمبر (500 مليون). وأيضا، “الدولة لا تستطيع تسديد هذا المبلغ، وسيدخل مصرف لبنان على الخط لتسديده ويتدهور الإحتياطي الاحنبي من 43 مليار دولار الى 31 مليارا”. هكذا ببساطة حُسم الأمر، لأن “مصرف لبنان سيطرح المزيد من “اليوروبوندز” وسندات بالدولار، تعويضا للنقص الحاد في إحتياطيه الأجنبي”…
وفي بنود أخرى، تمّ إستذكار عناوين لازمت يوميات اللبنانيين: إقفال عدد كبير من الشركات التجارية في الربع الأول، أزمة الإسكان وأزمة الرواتب والتقاعد والضمان الإجتماعي وتعويضات نهاية الخدمة، إرتفاع خدمة الدين لمستويات كارثية تتخطى 70% من إيرادات الدولة، إرتفاع كلفة التأمين على السندات لمستوى قياسي، تراجع ثقة المودعين في المصارف “حيث سُحب أكثر من 24 مليار دولار خلال الأسبوعين الأخيرين” (!!!) والعجز عن إقرار ميزانية 2019 “لطمس كارثة العجز قدر المستطاع لتأخير إعلان وفاة “مؤتمر سيدر” المشروط بإصلاحات”…
عناوين متفلتة وُزعّت عن سابق تصوّر وتصميم… وما مَن ينفي أو يوضح في الجهة المقابلة. صحّ القول “إن الأداء الرسمي السايب يعلّم المستفيدين كل الحرام”!