كتاب تفويض “الحاكم”… “مُغلَق” بالقانون

توجّه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى وزير المال في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل بكتاب يطلب فيه منحه صلاحيات سمّاها “استثنائية” تُجيز له إصدار تعاميم، وتتيح له تشريع التدابير التي تتّخذها المصارف لجهة تعاطيها مع المودعين. في الكتاب، برّر سلامة طلبه بضرورة تنظيم الإجراءات التي تتّخذها المصارف وتوحيدها، بهدف تطبيقها بشكل عادل ومتساوٍ على المودعين والعملاء جميعاً. ذلك يعني أن سلامة يطلب من الوزير في ورقته هذه “تفويض صلاحيات”…

رغم النقاش حول هامش الصلاحية التي يتمتّع بها حاكم مصرف لبنان لناحية تنظيم عمل المصارف ودور وزارة المال في هذا الاطار بحسب المادة 41 وما يليها في قانون النقد والتسليف وأيضاً من خلال عمل مفوض الحكومة لدى المصرف المركزي، يبدو أن “الحاكم” في كتابه هذا كان يطلب غطاء سياسياً أو أكثر… فهو بحاجة الى من يشاركه مسؤولية ما يجري بما أن القانون “يكشفه”.

وهنا لا بدّ من الاشارة إلى أنّ وزير المال لا يملك أصلاً سلطة في هذا الخصوص لتكليف مصرف لبنان بصلاحيات استثنائية، بما أنّ التفويض يُجاز في السلطة التسلسلية في الوزارة أي أن الوزير بصلاحياته يفوّض المدير العام الذي يمكنه تفويض رئيس المصلحة الذي يملك صلاحية تفويض رئيس دائرة… هذا في مبدأ السلطة التسلسلية (pouvoir hiérarchique ) أما سلطة الوصاية التي تملكها وزارة المال على مصرف لبنان، فلا تخوّل تفويض الصلاحيات الى حاكم مصرف لبنان بما أن التفويض يتم قسراً بين الموصي والموصى عليه إلا في حال وجود نصّ خاص يُعطي سلطة الوصاية سلطة التفويض وهذا ما ليس موجوداً.

عن الموضوع، يرى بعض المتابعين أنه وعلى الأرجح، لن يتّخذ الحاكم إجراءات جديدة بل إنه سيعمد الى تنظيم الـ Capital Control وتوحيده بين المصارف تحت ما يُسمّى بتعميم موقّت واستثنائي، وهو ما يعتبره البعض هروباً من سنّ قانون من قبل السلطة التشريعية يكون عرضة للطعن أمام المجلس الدستوري.

وعليه، يؤكد هذا الطلب الذي جاء متأخراً بحسب المراقبين، تفاقم الخلافات بين حاكميّة مصرف لبنان وجمعية المصارف، ممّا يوحي بأن هناك “يقظة ضمير” لاتخاذ تدابير تحمي المواطنين، خصوصاً المودعين الصغار، طالما أن الغاية من طلبه هذا هي تكريس التدابير غير القانونية التي فرضتها المصارف على اللبنانيين أجمعين.

“في رسالته الموجّهة الى وزير المال، ألمح حاكم مصرف لبنان إلى افتقاره الى الصلاحيات التي تُلزمه ليفرض قيوداً على الحسابات المصرفية. لا يمكن لهكذا قيود أن توضع الا من قِبل المشترع. ولكن وبما أن الحاكم يدرك تماماً أن الآلية القانونية يجب أن تنطلق، طلب من وزارة المال وهي “سلطة الوصاية” على مصرف لبنان إعطاءه الصلاحيات اللازمة التي يحجبها عنه قانون النقد والتسليف. في هذه الحالة، يمكن لمجلس النواب إقرار قانون تقييد السحوبات والتحويلات الذي يتعرّض للملكية الخاصة للأشخاص التي يكفلها الدستور وتصونها القوانين”، يقول المرجع القانوني الدكتور نصري دياب في اتصال مع “نداء الوطن”.

كثيرة هي الاحكام التي تطال المصارف بسبب عدم قانونية تدابيرها التي تنسف مبدأ الاقتصاد الحرّ الذي يكفله الدستور وأيضاً الممتلكات الشخصية، الامر الذي دفع بالقضاة اللبنانيين الى الحكم لصالح المودعين. يبقى المطلوب واحداً، قانون يصوّت عليه مجلس النواب برمّته. ولكن أي مجلس نيابي هو الذي سيصوّت على قانون يطال أحد أهمّ الحقوق التي يكفلها الدستور في مقدمته حيث أشار الى أن النظام الاقتصادي حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة؟ وهل يمكن لمجلس نيابي فاقد للشرعية نتيجة الانتفاضة الشعبية اتخاذ قرار مصيري مماثل؟ في حال تجاوب وزير المال أم لم يتجاوب، أصبحت المراقبة الدولية أو إدارة موثوق بها مطلباً أكثر من ملحّ لئلّا نقع في دوّامة جهنّمية تخوّل “المتلاعبين” الالتفاف على الأصول الدستورية وتسمح لهم بالتالي بالعودة الى الحياة التشريعية.

مصدرإيفون أنور صعيبي - نداء الوطن
المادة السابقةالبنزين ينفد من المحطات
المقالة القادمة“كهرباء لبنان”: أخبار مغلوطة عن كميات المحروقات المستوردة