تبددت أحلام البلدان الأفريقية وخاصة الدول العربية للانفتاح التجاري على أسواق القارة مع بداية العام الجديد، بعد أن سعت إليه الحكومات طيلة ماراثون من المفاوضات الشاقة خلال السنوات الأخيرة ضمن منظمة الاتحاد الأفريقي لتأسيس سوق تجارية مشتركة على أرض الواقع.
ويعتقد محللون أن كثرة العراقيل ستجعل من الوصول لذلك الهدف يستغرق وقتا أطول. وقد قال الخبير في شؤون جنوب أفريقيا في معهد الدراسات حول الأمن في بريتوريا جاكي سيلييرز “كان يُفترض أن تصبح منطقة التبادل الحر القارية الأفريقية المساحة التجارية الأكبر في العالم اعتبارا من يناير 2021، لكن هذا الأمر لا يزال بعيد المنال”.
ويؤكد سيلييرز أن توحيد أسواق أكثر من خمسين دولة ذات مستويات تنمية مختلفة في القارة الأفقر في العالم، لن يتحقق بلمسة سحرية.
وحاليا، تجري 16 في المئة فقط من المبادلات التجارية بين الدول الأفريقية نفسها وطموح منطقة التبادل الحر هو رفع نسبة هذه المبادلات لتصبح بحلول العام 2034، 60 في المئة بين الـ55 دولة الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، التي تمثّل 1.2 مليار شخص.
وبعد محادثات على مدار أربع سنوات، تم التوصل في يوليو العام الماضي إلى اتفاقية لتشكيل تكتل تجاري، ما مهد الطريق لإطلاق المشروع في قمة الاتحاد الأفريقي في النيجر. ومن شأنها حال نجاحها أن تخلق منطقة اقتصادية حجمها 3.4 تريليون دولار، وتفتح الباب أمام عهد جديد من التنمية.
والجميع يترقب إطلاق مبادلات تجارية في هذا الإطار بعد أن أُرجئ ذلك بسبب أزمة كوفيد – 19 ومفاوضات شاقة بين الدول الموقعة على إلغاء الرسوم الجمركية، لكن وبحسب سيلييرز، فإن التطبيق الفعلي لمبدأ التبادل الحرّ على مستوى القارة سيستغرق “سنوات عدة”.
ويوضح سيلييرز في تصريحاته لوكالة الصحافة الفرنسية أن الكثير من النقاط بشأن الرسوم الجمركية لا تزال موضع تفاوض بين الدول المختلفة. وأشار إلى أن الفكرة هي أن يصبح الاتفاق الذي أقرّته 34 دولة ساريا “بحلول العام 2034 مع إلغاء حوالي 97 في المئة من الرسوم الجمركية”.
ومرت عملية المصادقة على إنشاء المنطقة بعدة عثرات، ففي البداية لم تصادق الدول الـ55 الأعضاء في الاتحاد الأفريقي على الاتفاق، لكن كل الدول الرئيسية قامت بذلك من بينها نيجيريا، أول سوق في أفريقيا مع حوالي مئتي مليون نسمة.
ويتفق المحللون على أن المفاوضات التجارية معقدة للغاية لأن كل اتفاق حول الرسوم الجمركية يجب أن يخضع للتفاوض بين الدول الأعضاء حتى أن البرلمان التونسي على سبيل المثال رفض انضمام تونس للمنطقة قبل أن يغير رأيه.
ويركز بعض خبراء الاقتصاد الأفارقة باهتمام شديد حول القضية الأهم والمعرقلة لظهور المنطقة التجارية الحر ألا وهي حلّ مسألة الروابط بين منطقة التبادل الحرّ الجديدة والمجموعات الاقتصادية الإقليمية الثماني للاتحاد الأفريقي الموجودة أصلا.
وتشكل الاتفاقات التجارية الموقعة مع أوروبا والصين والولايات المتحدة عقبة أخرى يجب تجاوزها، ففي يوليو الماضي، بدأت الولايات المتحدة على سبيل المثال مفاوضات مع كينيا.
ويلفت سيلييرز أيضا إلى أن الفساد في بعض الحكومات وبطء الإدارة والافتقار إلى الوسائل ستُشكل تحديا لتنفيذ المشروع المدعوم من الاتحاد الأفريقي.
ويقول الأمين العام لمنطقة التبادل الحرّ القارية الأفريقية وامكيلي ميني إن القارة بقيت رهينة نموذج اقتصادي استعماري وأن من أجل الخروج منه عليها أن تطبق الاتفاق الجديد بطريقة شرسة.
ولا يمثل اقتصاد القارة سوى 3 في المئة من الاقتصاد العالمي ولا يزال منقسما بين 55 نظاما اقتصاديا مختلفا ما يشكل رادعا هائلا لنمو القارة.
وبحسب البنك الدولي، إذا حققت منطقة التبادل الحرّ في أفريقيا أهدافها فستسمح بخروج سبعين مليون أفريقي من الفقر وثلاثين مليونا من فقر مدقع بحلول العام 2035.