وزارة الطاقة، ومشاريعها في بناء وحدات إنتاج الكهرباء واستيراد المشتقات النفطية واستجلاب البواخر… تصنّف الأكثر تجاوزاً لإدارة المناقصات في التفتيش المركزي. وهي إن لم تكن “المتهمة” الوحيدة من إدارت الدولة العامة، فان تخطّيها الأصول الإدارية والتفافها على الرقابة الفعلية، كانا الأكثر كلفة على الإقتصاد، سواء في مراكمة نحو 50 في المئة من حجم الدين العام، أو في تعطيل الإقتصاد، وحرمان اللبنانيين من حقهم بكهرباء 24/24.
الأمثلة عن مخالفات “الطاقة” لا تعد ولا تحصى. ولكن، أكثرها بروزاً كان ما “فجّره” مدير عام إدارة المناقصات جان العلّية في معرض دعوته التدقيق الجنائي الشامل للبدء من إدارته عموماً، وفي الصفقات التي تم الإفتراء فيها على موقع المدير العام خصوصاً؛ مرة بـ”التزوير” من النائب سيزار أبي خليل، ومرة بـ”الابتزاز بقصد الحصول على موقع” من النائب جورج عطالله. حيث اتهم الأخير العليّة بوقوفه في وجه “مناقصة” البواخر، مع العلم أنها لم تُجرَ بمناقصة إنما بصفقة.
ففي 4 نيسان من العام 2019 تمت الموافقة بقانون على مشروع بناء معامل إنتاج طاقة بطريقة BOT (التشييد والتشغيل ونقل الملكية). إلا أن هذا المشروع الذي كان مدرجاً ضمن خطة وزيرة الطاقة ندى البساتي، جرى “اختطافه باسم التصنيف، وتعطيله في وزارة الطاقة” بحسب العليّة. و”ذلك بعدما أخضعه المجلس الدستوري لنظام المحاسبة العمومية ونظام المناقصات، وليس لأي نظام آخر”. إذ أنه بعد وصول دفتر الشروط إلى إدارة المناقصات، طلبت الأخيرة رأي خبراء الإتحاد الاوروبي. فأتى الجواب التقني المحض أن الإستمرار بالحل الموقت، أي البواخر، مكلف وملوث للبيئة، وهو يضرب الحل النهائي. واقترحوا زيادة 2 “توربين” يعملان على الغاز الطبيعي في الزهراني، لتوفّر الأرض وعدم الحاجة إلى استملاكات جديدة. وبذلك يضيف لبنان بعد 36 شهراً 1800 ميغاواط بدلاً من 1500 ميغاواط المقترحة بالخطة، ويأخذ على المدى القصير 1000 ميغاواط. إلا أن إدارة المناقصات لم تكن تعلم أنها بهذا التعديل، الذي تلغي فيه الحاجة إلى الحل الموقت، وتتعرض لـ”قدسية” البواخر… تخرق “المحرمات”. كما أنها لم تدرك “خطيئة” إقتراح إضافة “التوربينات” إلى معمل الزهراني حيث الأرض متوفرة، “إلا إذا كان هناك من لا يريد أن يضع المعمل في أرض لا تحتاج إلى الإستملاكات”، قالها العلّية، غامزاً من قناة العناد على استملاك الاراضي في سلعاتا لبناء معمل. وبهذا، “طار” المعمل، وحُرم البلد بحسب العليّة “من 1850 ميغاواطاً كانت ستضاف إلى إنتاج الكهرباء في نهاية العام 2022، وتحقيق وفر على الخزينة يزيد عن مليار دولار، نتيجة التخلي عن الحل الموقت المتمثل في البواخر، والإنتقال نحو الغاز الطبيعي، بدلاً من “الغاز أويل” الملوث المعتمد حالياً. والذي بالمناسبة ألغت وزارة الطاقة “البارحة” مناقصة “الغاز أويل”، لان شروط الشركة المصنّعة لم يؤمّنها أحد”، كما كشف العلّية.
قالها المدير العام بفخر. مناشداً دولة رئيس مجلس النواب “إستبدال لجنة تقصي الحقائق التي أنشئت في وزارة الأشغال، بلجنة تحقيق برلمانية، تواكب عملية التدقيق الجنائي ابتداءً من إدارة المناقصات”. على أن يتم بالتزامن مع التدقيق الجنائي الشامل أو من ضمنه، تحديد المسؤوليات عن المخالفات والإنحرافات القانونية والإدارية وتحديد الآثار الناجمة عن الإرتكابات على الصعيد المالي، البيئي، الإقتصادي والإجتماعي.