حاولت حكومة تصريف الأعمال ختام سجلّها قبيل جلسة اليوم الإنتخابية، التي قد تنجح في إنهاء الفراغ الرئاسي وإعادة تكوين السلطة فينتهي دور الحكومة البتراء، ارتكابَ خطيئة لا تُغتفر بحق المودعين، من خلال إدارج مشروع القانون المتعلّق بمعالجة أوضاع المصارف وإعادة تنظيمها وإعادة تكوين الودائع، على جدول أعمال جلسة يوم الثلاثاء الماضي، علّها بذلك تكمّ أفواه المودعين وتشطب حقوقهم لمرة واحدة ونهائية وقد صوّبت عليها منذ البداية، للتهرّب من تحمّل المسؤولية عن ضياع الودائع والفجوة في حسابات المصرف المركزي، وكأن المواطن هو من استدان من المركزي ولم يرجع ما استدان، وواظب على هذه المهمة حتى اليوم تحت عنوان سلف خزينة.
وللإنصاف، يمكن التأكيد أن ليس هناك أي نظام مصرفي قادراً على إعادة أموال المودعين كاملة في غضون لحظات، لأن ما يتوفّر “كاش” يشكّل 15 % من قيمة الودائع، وطلب ما يتخطّى هذه القيمة يجعل المودعين يتهافتون على سحب أموالهم، فتقع المصارف بأزمة سيولة تلقائية حتى ولو كان وضعها سليماً 100%.
وبلمحة تاريخية، إنطلقت في آب العام 2019 عملية تهريب الدولارات إلى سوريا للاستفادة في فرق العملة، وفي آذار العام 2020 أوقفت حكومة الرئيس حسان دياب دفع سندات خزينة اليوروبوندز، وفي نيسان من العام نفسه وضعت خطة مع شركة “لازار” للاستشارات المالية وإدارة الأصول، كما أعدّت خطة إنقاذية ووقعت إتفاقاً أوليّاً مع صندوق النقد الدولي على مستوى الموظفين، للقول “مشي الحال” وبدأنا الإنقاذ.
إذاً، الخطة الأساسية أعدتها شركة “لازار”، وكل الخطط التي وُضعت بعدها تدور حولها، وإن اختلف الرداء الذي يسقطونه عليها، وهذه الخطة كانت واضحة منذ بدايتها وقد تضمّنت ضربة كبيرة للقطاع المصرفي وشطب الودائع، وحينها كان الرئيس حسان دياب يقول “نحن قادرون على إعادة 98% من الحسابات”، وقد طُرحت هذه الفكرة قبل إقرار سياسة الدعم التي قضت على احتياطي مصرف لبنان، فبات من المستحيل إعادة 98% من الحسابات لأن الدولارات “طارت”.
خطة إعادة تنظيم القطاع المصرفي تهدف بكل بساطة إلى ضرب القطاع أي إفلاسه، وعند الإفلاس تكون الودائع قد تبخّرت.
ما أُدرج على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء الأخيرة لا يزال الخطة عينها التي أعدّتها شركة “لازار”، والتي لم يكن مصرف لبنان شريكاً بها بحسب تأكيداته، ويمكن الجزم بأنها جاءت من مكتب نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، وتُشير المعلومات إلى وجود تيارَين داخل الحكومة الميقاتية: أوّل يترأسه نائب الرئيس سعاده الشامي المعادي للقطاع المصرفي والساعي إلى تطييره، لمنح خمس رخص لمصارف برأسمال يبلغ مئتين وخمسين مليون دولار لكل منها، وانتهى الأمر، ما يطرح السؤال: ما هو مصير المصارف القديمة؟ والجواب بكل بساطة ستختفي وتختفي معها الودائع. وثانٍ: تيار معارض من ضمنه وزيرا الاقتصاد أمين سلام وشؤون المهجّرين عصام شرف الدين.
إنطلاقاً من هنا، يبدو أن رئيس الحكومة قد أدرج المشروع على جدول الأعمال بهدف القول “أنا أعمل على الإصلاح وهناك معارضون داخل الحكومة”.
ويقول خبير مالي لموقعنا “إن هذه الخطة تهدف إلى ضرب المصارف لضرب الودائع” داعياً إلى الفصل بين القيمين على المصارف الذين يمكن مقاضاتهم، وبين والمصارف ككيان، والتي لا تستطيع كسر الإلتزام تجاه
المودع إلّا عند إعلان إفلاسها، وإعلان الإفلاس يعني خراب بيوت المودعين، لأن أي مبلغ سيحصل عليه المودع لن يتخطى خمسة وسبعين مليون ليرة ما يوازي ثمانمئة دولار لا غير، مهما بلغت قيمة الوديعة، وينبّه الخبيرالمالي إلى “خطورة تمرير هذه الخطة لأن تداعياتها ستمتد إلى أربعين عاماً، بسبب دخولها في صميم الاقتصاد اللبناني وستضرب أكثر من 80% من الودائع بحسب وزير المهجّرين، فإذا صحّ كلامه نكون أمام وضع خطير لا يمكن معه إستعادة الثقة بالقطاع المصرفي، مشيراً إلى أن الخطة وإن عبرت بوابة مجلس الوزراء فلن تتمكن من عبور بوابتَي لجنة المال والموازنة ومجلس النواب لأن المودعين سيقررون مصير الانتخابات النيابية في العام المقبل”.
ومع اقتراب موعد إنتهاء الفراغ الرئاسي، يمكن أن نسأل: هل حاول الرئيس ميقاتي إلقاء كرة النار المالية والمصرفية بوجه العهد الجديد وحكومته الأولى على قاعدة “اللهم إشهد إني قد حاولت”؟