يصادف وجود موازنتي العامين 2023 و2024 في وقتٍ واحد في مكتب رئاسة الحكومة في السرايا، ولو لساعات معدودة، قبل إحالة الأولى إلى مجلس النواب والثانية إلى مجلس الوزراء لمناقشتها، ولكن من دون أن تكون لأي منهما، أي طابعٍ متصل بالواقع المالي الحقيقي للدولة أو للإقتصاد أو لقدرة المواطنين، الذين ما زالوا في بداية رحلة استكشاف الكمّ الهائل والمخيف إذا صحّ التعبير للضرائب والرسوم الغريبة والعجيبة والعشوائية المفروضة عليهم، والتي لا يستطيع المسؤول الذي فرضها أو اقترحها من دون دراسة مسبقة وبهدف زيادة إيرادات الخزينة، أن يضمن التزام غالبية اللبنانيين بها ، خصوصاً بالنسبة للفئة التي استغنت عن خدمات الدولة أو الفئة التي تتهرّب من دفع الضرائب والرسوم أو الفئة غير الخاضعة لأية ضرائب كالنازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين وبعض المحظيين.
وفي الوقت الذي أجمع فيه خبراء المال والإقتصاد على اعتبار مشروع موازنة العام الذي يشارف على النهاية بأنها غير متوازنة وغير دقيقة من حيث الأرقام والتوقعات، فإن الصورة لن تختلف كثيراً بالنسبة لموازنة العام المقبل، خصوصاً في حال تكررت فيها الأخطاء و”الإرتكابات” في فرض ضرائب على اقتصادٍ متهالك وفي لحظة انهيار يكاد يشمل كل القطاعات الإقتصادية من دون استثناء.
وفي قراءة لجانب من الرسوم والضرائب التي تضمنها مشروع موازنة العام الحالي، وتأثيرها بشكلٍ خاص على القطاع الخاص من شركات ومؤسسات تجارية، يتحدث عميد كلية العلاقات الدولية في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ ورئيس مؤسسة “جوستيسيا” المحامي الدكتور بول مرقص، عن انعكاسات سلبية على نمو هذا القطاع، نتيجة تركيزٍ في الضرائب على قطاع التجارة.
ويؤكد الدكتور مرقص لـ “ليبانون ديبايت” أنه إلى جانب تكبّد التجار أعباءً إضافية، نتيجةً لارتفاع الرسوم عليهم كرسوم تسجيل المحال التجارية وتسجيل الشركات مثلًا، والمنصوص عليها في المادة ٤٢ من هذه الموازنة، فإن هذا التوجه نحو رفع الرسوم بشكل غير مدروس وعشوائي، سيشكّل عبئاً على مجتمع الأعمال كما وأن تأثيراً سلبياً وسريعاً، سيُسجّل على مستوى النمو الإقتصادي واستقطاب المستثمرين.
من جهةٍ ثانيةٍ، يكشف الدكتور مرقص عن أن غياب أي خطة مالية ورؤية إصلاحية ، فرض على الموظفين القيّمين على مشروع الموازنة، أن يلجأوا إلى طرق غير مدروسة، واستحداث ضرائب بطريقة عشوائية، وبالتالي، يشدد مرقص على وجوب العمل في موازنة 2024، على إيجاد خطط وفق دراسات علمية دقيقة كإصلاحات ضريبية تعزز من البيئة التجارية وتشجع على الإستثمارات وادخال العملات الأجنبية إلى الأسواق.
ورداً على سؤال حول فئة الضرائب الجديدة التي استحدثها مشروع قانون موازنة عام 2024 والتي كانت الأكثر جدلاً في الايام الماضية، رغم أنه قد تمّ سحبها اليوم ك”بادرة حسن نية”، وهي الضريبة على الجثة البشرية المذكورة في الجدول رقم /3/ تحت عنوان “ضريبة بيئية على المنتجات المستوردة”، يرى الدكتور مرقص، أن مشروع الموازنة “يتجاوز كل التوقعات باستحداثه ضريبة على النعوش المحتوية على جثة بشرية، حيث يُفهم من جرائها بأن الوزارة تعتبر أن وجود الجثث له تأثير بيئي وتسعى إلى فرض ضريبة بيئية عليها”.
وهنا يستغرب مرقص، هذه الوسيلة الهادفة للحصول على “إيرادات إضافية على حساب المواطنين وتكبيدهم المزيد من الأعباء بدلاً من إيجاد موارد جديّة لتحصيل الإيرادات”، مشيراً إلى أنه قد تم تحديد نسبة الضريبة على ما سمّته الوزارة ب”المنتجات” بنسبة 2بالألف من قيمتها.