ليس هناك ما يدلّ على عجز السلطة في لبنان، أكثر من تعاطيها في ملف الكهرباء. بين 1998 و2021 لم تنفّذ إلا زيادة واحدة على القدرة الإنتاجية لمعامل الكهرباء بقدرة 270 ميغاوات وبكلفة 300 مليون دولار، إلى جانب حلّ مؤقت عبر المعامل العائمة بقدرة 390 ميغاوات وبكلفة إجمالية بلغت 1.2 مليار دولار، وتكريس مولّدات الأحياء بكلفة مليار دولار على الأسر المقيمة في لبنان لكل 1000 ميغاوات لا تنتجها مؤسّسة كهرباء لبنان.
المعامل العائمة أُطفئت وسترحّل قريباً قبل انتهاء العقد معها، وستحمل معها فواتير تحصيل متراكمة بقيمة تفوق 170 مليون دولار لا يمكن تسديدها إلا بواسطة احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية. أما القدرة الإنتاجية المتوافرة لمعامل مؤسسة كهرباء لبنان القائمة، فلن تكون قادرة على تغطية أكثر من 30% من الطلب الاستهلاكي في وقت الذروة، ما يعني زيادة الاعتماد على مولّدات الأحياء لتغطية التغذية بالتيار الكهربائي إلى 70% من الطلب مقارنة مع 45% سابقاً. هذا يعني مزيداً من استيراد المازوت لتشغيل هذه المولدات مقابل تراجع استيراد الفيول لتشغيل معامل الكهرباء. وبالتالي ستنتقل الكلفة من الخزينة إلى جيوب المستهلك مباشرة.
ما يعني أنه في الأيام المقبلة سنكون أمام خيارات محدودة:
تقليص الاعتماد على الاحتياطات لتمويل استيراد الفيول والمازوت، وبالتالي زيادة التعرفات في مؤسسة كهرباء لبنان، وزيادة تعرفة المولدات أيضاً بحسب تطورات سعر الصرف في السوق الحرّة.
تقليص إنتاج الكهرباء قسراً أو طوعاً. مؤسسة كهرباء لبنان قد تعمد إلى إطفاء بعض وحدات الإنتاج كما اعتادت أن تفعل في الأشهر الماضية من أجل تقليص استهلاك الفيول وتقليص الأعباء على خزينة الدولة التي تمنحها سلفاً لتمويل شراء الفيول.
كذلك، قد يعمد أصحاب المولدات إلى تقليص ساعات إنتاج الكهرباء بواسطة مولداتهم من أجل تقليص استهلاك المازوت وتقليص كلفة الصيانة التي صارت باهظة بسبب ارتفاع سعر الصرف، أو بسبب سلوك مصرف لبنان الرامي إلى فرض تقليص الإنتاج عبر تقنين الموافقات المسبقة على الكميات اللازمة لتشغيل المولدات.
ثمة خيار آخر يكمن في استمرار تمويل استيراد الفيول والمازوت لزوم إنتاج المعامل والمولدات إلى حين نفاد الاحتياطات.
يقول شربل نحاس في كتابه «اقتصاد ودولة للبنان» إن حالة الكهرباء المأساوية «هي نتيجة لمآسي النظام الاقتصادي وليست سببها» مشيراً إلى أنه «سواء بسبب التجاهل عن سذاجة أو عن غرض للمعطيات الواقعية (الكلفة الحقيقية للطاقة الناتجة عن الفاتورة المزدوجة من الشبكة العامة أو المولّد، كلفة تشتت مواقع الإنتاج…)، أو بسبب الارتباك، التلقائي أو المناور، حيال الخيارات والقضايا الفعلية (التأثير على الحسابات العامة والحسابات الخارجية والعلاقة بينهما…)، أو بسبب تجزئة المقاربات (بين مقاربة محاسبية ومقاربة تقنية منفصلتين عن اعتبارات إعادة التوزيع والسياسة الصناعية)، تبقى النقطة المركزية هي عدم القدرة على اتخاذ القرار».
المشكلة الفعلية اليوم، هو أن ما كان متاحاً في السابق لم يعُد خياراً اليوم. فمع انهيار سعر الصرف، وإفلاس المصارف، وتهريب الأموال إلى الخارج، لم يعُد ممكناً البحث في خيارات التمويل المحلية للاستثمار في زيادة القدرة الإنتاجية للكهرباء بمعزل عن الاقتراض من الخارج.