بعدما أتمّت إنجاز التعاقد مع “الحفّار” الذي سيتولى التنقيب في حقل قانا المحتمل (رست المناقصة على شركة ترانس أوشن الأميركية)، أطلقت شركة “توتال” الفرنسية منذ أيام مناقصات فرعية لتلزيم الخدمات الأرضية والتشغيلية المرتبطة بعمليات الحفر، والتي ستتولى تأمين كافة المستلزمات اللوجستية. ولغاية بلوغ نهاية أيار المقبل (وأقصاه بداية حزيران)، تكون الشركة قد أقفلت تلزيماتها وبات لديها أسماء المتعهدين الرئيسيين والثانويين، على أن ينصبّ بعد ذلك تركيزها الأساسي على الخريف المقبل، الموعد المحدّد لحفر البئر الأول في الحدّ الجنوبي للخطّ 23، على أن يكون مركز البئر شمال الخطّ عند نقطة تبعد 7 كلم تقريباً عن الحدود.
وفقاً للإتفاق مع “توتال”، ستحصل الشركات اللبنانية على حصة من التلزيمات. لذلك، سارعت بعض القوى السياسية إلى محاولة حجز حصّتها باكراً من “الكعكة”، إن من خلال “دفش” شركات تقديم خدمات محلية إلى الأمام، أو محاولة تأمين “قواعد لوجستية” متفرّقة، وقريبة من الناقورة تستفيد منها “توتال”.
غير أن الأخيرة قابلت المساعي بتجاهلٍ شديد، وأوكلت إلى “لجنة” فحص طبيعة الشركات المتقدمة إلى مباريات التلزيم وخلفياتها، وتأكيد “نظافتها” سياسياً، وهذا ينسجم مع تطلعات القيادة الفرنسية القائمة على “تجفيف” منابع تمويل القوى السياسية التقليدية. من جهة ثانية، تُركت حصّة مهمة للشركات الكبرى العالمية، القادرة على توفير خدمات، من زاوية أن الشركات اللبنانية محدودة الإمكانيات في هذا المجال، ولا بدّ من وجود شركات خارجية مساندة.
بعد إنجاز التلزيمات، ستعمل “توتال” في مرحلة أولى على تأمين الرخص المتصلة بعمليات الحفر من الوزارات المختصة، وفي مرحلة ثانية، على انتظار وصول “منصّة الحفر” (ترانس أوشن برنتس) ومراقبة مسارها. وفقاً للخطط، ستبدأ عمليات الحفر إفتراضياً بين أيلول وتشرين الثاني المقبلين، وسيحتاج استكمال العملية من 4 إلى 5 أشهر.
وفي حال حصول الإكتشاف والتأكد من الكميات، سيحتاج إنجاز خطة “الإنتاج والتطوير” بين 6 إلى 9 أشهر. في هذه النقطة، ثمة خطط موضوعة لدى وزارة الطاقة بالتعاون مع هيئة إدارة قطاع البترول، لتسريع الإستفادة في جزءٍ من المخزون، تتلخّص بما يصطلح تسميته “استراتيجية الإنتاج التصاعدية”، ممّا يعني البدء في استثمار جزءٍ من الكميات الغازية المكتشفة، من دون انتظار مدة الثلاث سنوات المعتمدة تقنياً لإنجاز خطة إنتاج وتطوير متكاملة، للبدء بسحب أكبر قدر من الكميات من البئر ومن ثم معالجتها وتصديرها وبيعها في السوق.
يمكن اعتبار الإستراتيجية الحالية بمثابة “خطة طوارئ للبدء بإنتاج الكهرباء” وفق قدرات محدّدة، من خلال “مدّ” أنابيب من البئر باتجاه اليابسة وتحويلها إلى معمل “الزهراني الحراري”، القادر على إنتاج الكهرباء من خلال الغاز، والذي يبعد ما يقارب 80 كيلومتراً من مركز البئر. عادةً يحتاج استخدام الكميات المستخرجة من الغاز إلى معالجة تقوم على فصل السوائل عن المادة، وهذا يتطلب وحدة علاج متخصصة يأخذ بناؤها وتركيبها شهوراً طويلة. الفكرة قائمة حالياً، وتسعى الوزارة إلى تطبيقها، طبعاً في حال توفّر نوايا حسنة، تقوم على مبدأ “الإنتاج المبكر” (أو الجزئي)، فلا تحتاج إلى تفاصيل تقنية كبيرة أو قدرات معالجة هائلة، فقط إقامة “منشأة إنتاج مبكرEPF ” ضمن نطاق معمل الزهراني وربطها به بعد استكمال ربط خطّ الأنابيب بالبئر.
وبحسب خبراء تقنيين، يحتاج الربط بين 6 إلى 8 أشهر (بقدرة يومية لمدّ أنابيب مسافة 6 إلى 7 كلم يومياً) من تاريخ حصول الإكتشاف والإتفاق مع الشركة المتعهدة والمشغّلة، ما قد يساهم في زيادة التغذية الكهربائية ساعات إضافية بحلول العام 2025، وفي مرحلة ثانية، التخلّي جزئياً عن فكرة استيراد الفيول من الخارج.
غير أن التشويش، لا سيما السياسي، إلى جانب إمكانية الإخلال في الإلتزامات وخلق ظروف غير مشجّعة، دائماً ما يحضر كمواكب للخطط المستقبلية ما يُسهم في عرقلتها، كالحديث الذي نشط مؤخراً حول احتمال أن تنعكس التطورات الأخيرة الحاصلة في الجنوب على نشاط شركة “توتال” في البلوك رقم 9، مع ما يستدعي ذلك من طلبها تمديد أعمالها، ممّا يعني تأخير عمليات الحفر. بحسب مصادر مواكبة لـ”توتال”، فإن الأخيرة عازمة على بدء الأعمال في البلوك رقم 9 وفقاً للخطط الموضوعة سلفاً والمتفق عليها مع الجانب اللبناني، مع الإشارة إلى كون “توتال”، تحظى بقرار حكومي يتيح تمديد أعمالها لغاية العام 2025.
من جهة أخرى، تشير المصادر، إلى ما أسمتها “ضمانات” متوفرة لدى “توتال” من كافة الأطراف، تجعل من استثمارها “ممكناً ولا تحيط به أية مخاطر”، وهذا لا يشمل بطبيعة الحال “الظروف الإستثنائية التي قد تطرأ”. عملاً بذلك، لا تبدو خطط “توتال” متأثرة بأي أحداث “غير إستثنائية” في الجنوب. في المقابل، ثمة مصالح استراتيجية لدى كل الأطراف، تقوم على فكرة استثمار “الثروات النفطية والغازية في المتوسّط” ما يخلق ظروفاً آمنة. فالعدو الإسرائيلي ظهر “متهيّباً” إلى أبعد الحدود من خلال ما يمكن تسميته “الرد”على الصواريخ التي انطلقت من محيط صور قبل أيام، وسعى لأن يكون الرد “متوازناً” وأن يبقى ضمن قواعد الإشتباك أو الخطوط الحمراء.
يسري ذلك على سائر الأطراف. ومن المعلوم أن تل أبيب، وضعت خططاً مستقبلية “كبيرة” للإستثمار في اكتشافات الغاز ضمن المتوسط ،وخصوصاً البلوكات النفطية العائدة إليها، إلى جانب الإستثمار الحالي النشط في مجموعة حقول أبرزهم “كاريش”. ضمن هذا التوازن، لن تقدم وتُغامرَ وتضع استثماراتها في دائرة الخطر، أو تهديد الإستخراج سواء من “كاريش” أو غيره.