أدى تفشي فيروس كورونا المستجد وعزل ملايين الأشخاص إلى إضعاف الاقتصاد العالمي، في غضون أسابيع، لدرجة أن خبراء الاقتصاد يتوقعون أعنف انكماش في التاريخ الحديث وقد يكون أسوأ من «الانهيار الكبير».
معاناة لسنوات
ومن المرجح أن يواكب ذلك ارتفاع في معدل البطالة. وسيكون حجم الصدمة مرتبطاً بأساليب العلاج التي تتّبعها الحكومات والمصارف المركزية والمؤسسات الدولية، وبمدة الأزمة الصحية.
ويتوقع خبراء الاقتصاد في وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني، أن “تواجه اقتصادات دول مجموعة العشرين الصدمة في الجزء الأول من العام وتسجل انكماشاً في 2020 قبل أن تسجل ارتفاعاً من جديد عام 2021”.
وقال الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أنخيل غوريا إنه يتوقع أن يعاني الاقتصاد العالمي “لسنوات”.
وتبدو الأزمة الحالية أقسى من تلك التي حدثت عام 2008 لأنها لا تطال القطاع المالي فقط، بل جزء من الاقتصاد الحقيقي أيضاً مع انهيار الإنتاج وبالتالي العرض، وكذلك الطلب بسبب العزل المفروض على ملايين الأشخاص.
ازدهار قطاعات أخرى
النقل والسياحة والتوزيع كلها قطاعات منكوبة، لكن قطاعات أخرى وضعها أفضل، مثل الصيدلة والصناعات المرتبطة بالمعدات والمنتجات الصحية والتجارة الإلكترونية للمواد الغذائية.
ويفترض أن تشهد دول مجموعة العشرين مجتمعة انكماشاً نسبته 0.5 في المئة في إجمالي الناتج الخام هذه السنة، بحسب “موديز”. في الولايات المتحدة سيبلغ هذا الانكماش -2 في المئة، وفي الاتحاد الأوروبي -2.2 في المئة. وتضيف الوكالة أن نمو الصين سيبلغ 3.3 في المئة وهي وتيرة ضعيفة جداً لهذا البلد.
وتتوقع مجموعة “موديز” المصرفية للولايات المتحدة انكماشاً نسبته 3.8 في المئة عام 2020، بينما يرى “دويتشه بانك” أنه أسوأ ركود للاقتصاد الأميركي منذ “الحرب العالمية الثانية على الأقل”.
وفي أوروبا، تحدث وزير الاقتصاد الألماني عن انكماش “لا يقل” عن خمسة في المئة في 2020 في ألمانيا وفرنسا، بينما تتوقع وكالة “موديز” نسبة 1.4 في المئة. ويرجح نونو فرنانديز، الأستاذ في جامعة “آي إي أس إي بيزنس سكول” انكماشاً نسبته -2 في المئة العام الحالي، وفق سيناريو يعتمد على انتهاء الأزمة الصحية نهاية يونيو (حزيران).
وبالنسبة إلى بريطانيا، تتوقع مجموعة “كي بي أم جي” تراجعاً أكبر يبلغ 2.6 في المئة ويمكن أن يبلغ الضعف إذا استمر الوباء حتى نهاية الصيف.
معدل البطالة
وفي منطقة اليورو التي تمتلك تشريعات للعمل أكثر حماية، يتوقع مكتب “كابيتال إيكونوميكس” ارتفاعاً في معدل البطالة بنسبة 12 في المئة بحلول نهاية يونيو، “ما يسقط سبع سنوات من المكاسب في هذا المجال”، وإن كان سيُسجل تحسناً في النصف الثاني من العام.
في بريطانيا والولايات المتحدة، يبلغ معدل البطالة مستويات منخفضة تاريخياً بفضل ارتفاع عدد الوظائف الهشة في إطار “أعمال صغيرة”.
وفي أميركا حيث يمكن تسريح الموظفين الذين لديهم عقود طويلة الأمد، أعلنت وزارة العمل الخميس تقدّم 3.3 مليون شخص بأول طلبات تعويضات البطالة المسجلة، وذلك للأسبوع الممتد بين 15 و21 مارس (آذار)، وبارتفاع ثلاثة ملايين طلب عن الأسبوع السابق الذي سجّل حوالى 282 ألف طلب جديد. ويُعدُّ هذا الرقم غير مسبوق في الولايات المتحدة.
حتى إنّ جيمس بولارد، رئيس المصرف المركزي في سانت لويس، صرح في لقاء صحافي أن معدل البطالة قد يرتفع إلى 30 في المئة في الأشهر المقبلة.
كساد كبير جديد
يثير وباء كورونا المستجد الكثير من الشكوك حول تغير الأسعار بين مخاطر كساد اقتصادي وانكماش إذا انهار الطلب لفترة طويلة، لكن مع الضغط التضخمي، إذا تم تخفيض أسعار العملات أو حدثت أزمات نقص في المواد… وتُعدُّ معدلات التضخم منخفضة حالياً وبعيدة بشكل عام من أهداف المصارف المركزية، خصوصاً في بريطانيا.
ويوضح كارل إيمرسون من معهد الدراسات الضريبية لوكالة الصحافة الفرنسية، أن الدين الذي يشكل حوالى 90 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي مرتفع حالياً، لكنه “بلغ ما يقارب الـ 260 في المئة بعد الحرب العالمية الثانية”.
أما عجز الحسابات العامة، فكان منذ فترة غير بعيدة يبلغ اثنين في المئة وهو ما جعله المحافظون قاعدة في ميزانيتهم، وارتفع إلى عشرة في المئة خلال الأزمة المالية سنة 2008.
ويفترض أن يشكل الدين والعجز أصغر هموم المسؤولين، بينما معدلات التمويل منخفضة تاريخياً على حد قول جوناثان بورت، أستاذ الاقتصاد في جامعة “كينغز كوليدج” في لندن.
لكن من واشنطن إلى برلين، يبدو أن السلطات تغض النظر عن السياسات المتشددة حيال ضبط الميزانية عبر الإعلان عن خطط إنعاش قيمتها آلاف مليارات الدولارات.
وانضم نوريال روبيني، الاقتصادي الذي كان توقع حدوث أزمة 2008، إلى الرأي القائل بضرورة تعزيز الدول والحكومات التدابير الصحية وأيضاً الدعم المباشر لمن فقدوا أعمالهم أو عائداتهم خشية الوصول إلى “كساد كبير جديد، أسوأ” من كساد الثلاثينيات.
المصدر: “اندبندنت عربية”