لا تقتصر فوائد تبني البساطة كنهج في التعامل مع الأمور على جعل الحياة اليومية للمرء تمضي على نحو أفضل، وإنما ثمة فائدة كبيرة تعود على الشركات التي تعتنق هذا المبدأ، خاصة عندما تقوم بما يبدو مبادرات معقدة.
وفي هذا الإطار، ما الذي يمكن أن يكون أكثر تعقيدا بالنسبة لشركة ما أكثر من عمليات اندماجها مع شركة أخرى أو استحواذها عليها؟ في السطور التالية الوصفة المتبعة في هذا الشأن: خذ شركة ما، وقم بدمجها بأخرى، وأعمل على أن تتفاعل العناصر الناشطة فيهما – بشكل ما – على نحو متناغم، ومن ثم يفضي ذلك لتحقيق فوائد أكبر من تلك التي يمكن لك أن تحققها بنفسك دون إتمام عملية الاندماج هذه.
وفي مختلف أنحاء العالم، يرتبط المسار المهني للرؤساء التنفيذيين وكبار المديرين بالنتائج التي تحققها الشركات التي يقومون بإدارتها عندما تنخرط في مثل هذه الأنشطة والعمليات.
وحتى في ظل التقلب الذي يتسم به الانتعاش الاقتصادي على مستوى العالم؛ تتسارع وتيرة عمليات الاندماج والاستحواذ، خاصة في الولايات المتحدة. فالصفقات التي أُعلنت مؤخرا في هذا الصدد، تضمنت صفقة استحواذ شركة “فايزر” على شركة “هوسبيرا” للبدائل الدوائية الحيوية، والتي بلغت قيمتها 17 مليار دولار أمريكي.
كما شملت صفقة استحواذ شركة “ستابلس” على شركة “أوفيس ديبوت”، والتي أُبرمت في قطاع توريد الأدوات المكتبية، بقيمة وصلت إلى 12 مليار دولار. وتترافق هذه الصفقات مع آمال عريضة تراود كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركات التي أبرمت عمليات الاستحواذ هذه، ناهيك عن التصريحات التي تُطلق بشأن إمكانية تحقيق أرباح تصل إلى مليار دولار بفضل تفاعل العناصر المكونة للشركتين أو الشركات التي يتم الدمج بينها، وما شابه ذلك من العوامل.
وهنا يمكن القول إن عدم ورود عبارات مثل “تبني سياسات تحويلية” في البيان الصحفي الصادر عن رئيس شركة ما، يعني أن هناك من سيفقد وظيفته في قسم العلاقات العامة في الشركة نفسها. حتى مصطلح “تفاعل العناصر على نحو يزيد العائدات التي تدرها” بات يشكل بدقة إكسيرا سحريا يجعل الصفقة تؤتي ثمارها، بغض النظر عما يكمن في الأمر من تفاصيل.
ومن الواجب الإشارة هنا إلى أن ثمة العديد من صفقات الاستحواذ التي تفضي بحق إلى الإضرار بحصص المساهمين أكثر مما تؤدي إلى تنميتها، بينما نجد القليل من هذه الصفقات يحقق الأهداف المنشودة منه.
عناصر للنجاح
إذاً هل يمكن أن يُعالج كل ذلك بجرعة من البساطة يضخها المديرون خلال عملية الاندماج؟ وتكمن فعالية تبني هذا المفهوم في كونه يدفعك إلى التركيز على الأمور الأكثر جوهرية التي يتوقف عليها نجاح الصفقة أو فشلها، وليس على تفاصيل أو أمور أخرى تصرف انتباه المرء، على نحو لا ينتهي، وهي كلها قضايا بوسعك أن تجد دائما من هو على استعداد لإثارتها وطرحها للنقاش.
وعلى أي حال، ففي الصفقات الخاصة بالاندماج والاستحواذ؛ ثمة طريقة تقاسمتها مع مجالس إدارات العديد من الشركات لسنوات طويلة. وفي إطارها، يمكن القول إن نجاح مثل هذه الصفقات يعتمد على ثلاثة أمور يمكن تلخيصها في الاختصار التالي “س.م.ت”، والتي تشير إلى ثلاث عبارات هي؛ السعر الذي يسدده المرء في الصفقة، والمنطق الاستراتيجي الذي يدفعه لإبرامها، وعملية التكامل بين الشركات الداخلة فيها. هذا كل شيء.
في السطور التالية، سأسعى لجعل هذه المفاهيم أكثر وضوحا، وذلك على نحو من شأنه المساعدة على شرح السجل الكئيب الذي يحوي نتائج صفقات الاستحواذ والاندماج. فحتى يمكن للمرء أن يحرز النجاح في صفقات مثل هذه، يتعين عليه أن ينجز بنجاح المكونات الثلاثة التي تحدثنا عنها سابقا، إذ لا يكفي هنا أن يحقق النجاح – حتى وإن كان ساحقا – في اثنين منهما فحسب.
إذا ما فكرنا في هذا الأمر، فسنجد أنه إذا ما دفع المرء سعرا معقولا وتبنى منطقا استراتيجيا قويا، فسيظل عرضة لأن يواجه فشل الصفقة برمتها إذا ما جرت عملية دمج الشركات على نحو غير فعال. وينطبق المثال نفسه على أي احتمال يتم في إطاره إنجاز أي مكونين من مكونات الصفقة بنجاح، والإخفاق في المكون الثالث.
فعلى سبيل المثال، حتى مع اتباع المرء استراتيجية محكمة، وإنجازه لعملية الإدماج بشكل رائع، فيمكن أن يؤدي قيامه بتسديد سعر يفوق كثيرا ما هو معقول، إلى أن يكون من العسير عليه التمكن من تحقيق إيرادات كافية، تعوض ما مُني به من عجز، نتيجة لخطوته التي اتخذها في بداية الصفقة؛ ألا وهي السعر.
وإن كنت لا تزال في ريب من صحة هذا الأمر؛ فليس عليك سوى تأمل ما حدث لشركة “بوسطن ساينتفيك”، التي عَلِقت في حرب مزايدات، للاستحواذ على مجموعة “غايدنت”، مما أدى لزيادة السعر الذي دفعته الشركة لإتمام الصفقة في عام 2005 إلى 27 مليار دولار، وهو مبلغ سبب أزمة استغرق الخروج منها 10 سنوات.
المبدأ الأساسي هنا بالنسبة لمجالس إدارات الشركات والمسؤولين التنفيذيين هو: لا تتعمق في جزء واحد فحسب من أجزاء الصفقة التي تبرمها (فعادة ما يكون هذا الجزء هو ذاك المتعلق بالسعر الخاص بصفقة الاستحواذ، الذي يجري التفاوض بشأنه، نظرا لأنه ذلك هو العامل الذي يستدعي جلوس المحامين والمصرفيين على طاولة المفاوضات)، وذلك قبل أن تدرك أنك بحاجة للتعامل على نحو صائب مع المكونات الثلاثة لصفقة الاستحواذ أو الاندماج. ولذا ينبغي على كل من ينخرط في مثل هذه الصفقات، أن يكون على علم بتلك المكونات، وأن يكون بمقدوره كذلك بلورة خطة مفصلة للتعامل مع كل منها.
إلى جانب ذلك، فإن فكرة البساطة والتركيز تنطبق كذلك على مسألة ابتكار الأفكار الجديدة. وربما كان ذلك من بين الأسباب التي تجعل الشركات الكبرى تجاهد كثيرا للتكيف مع أي تحولات أو تغيرات، بينما تبدو الشركات الأصغر حجما أكثر رشاقة في تلك المواقف. فمن غير الضروري، بل قد يكون ضارا في أغلب الأحيان، أن يَبْسُطَ المرء فكرته المبتكرة بتفاصيل مفرطة.
فمن الأفضل في كل الحالات تقريبا أن تبلور فكرتك الجيدة وتحاول تجريبها وإدخال تحسينات عليها دون محاولة إيصالها إلى درجة الكمال. ولذا فإن السعي الحثيث للوصول بالفكرة الجديدة أو المبتكرة إلى حد الكمال يمثل وسيلة مضمونة لعرقلة أي إمكانية جيدة قد تكون كامنة فيها، أكثر من أي شيء يمكن أن يصل إليه خيالك.
من جهة أخرى، فإن المديرين في الشركات الصغيرة وفي المؤسسات ذات التقسيم الإداري المبسط؛ والتي لا تحتوي في العادة سوى على إدارة واحدة مع عدد محدود من المديرين، يتحدثون في غالب الأحيان عن التكيف أو إعادة التموضع بسرعة، دون أن يجعلوا أنفسهم عالقين أو مرتبطين بمشروع واحد مكثف وصعب، يكون عادة – وفي المقام الأول – من العسير تنفيذه وإنجازه.
بدلا من ذلك، يولي كبار المسؤولين في مثل هذه الشركات والمؤسسات اهتماما أكبر بالمشروعات الأقل حجما والقابلة للتطبيق، والتي يمكن أن تؤتي ثمارها، وتثبت صحة المفهوم الذي يقف وراءها. بعد ذلك، يمكن أن يفكر هؤلاء المسؤولون في تطوير الفكرة وتنميقها وتوسيع نطاقها وضخ مزيد من القوة والفاعلية فيها.
تجربة فيسبوك
فلنأخذ هنا مثال موقع (فيسبوك). فهذا الموقع العملاق للتواصل الاجتماعي، لم يبدأ بكل الخصائص والمزايا التي يتمتع بها في الوقت الحاضر، بل إن من المؤكد تقريبا أن الشكل الذي بات عليه (فيسبوك) الآن لم يدر بخلد رئيس مجلس إدارته مارك زوكربيرغ من الأساس. وهكذا فإن براعة هذه الشركة ومديريها ستتمثل في مواصلتهم البحث عن فرص يمكن من خلالها تطوير وتحديث فكرته، وهي جيدة في الأساس، دون التورط عميقا في بلورة نموذج جديد مفصل ومتشابك لما يتعين أن يكون عليه شكل (فيسبوك) في المستقبل.
ومن شأن تكرار تطبيق سياسات بعينها أن يسمح للشركات بأن تكيف نفسها وتعدِل أوضاعها بحسب المواقف المستجدة على نحو أكثر سرعة وفعالية، من وضع القوانين أو القواعد النظرية الخاصة، بالشكل الذي يؤمل أن تكون عليه مثل هذه الشركات في المستقبل، أو الإعلان والحديث عن هذا الشكل المتصور.
ويمكن النقطة نفسها أن تمتد لتشمل الاستراتيجية المتبعة ذاتها، وهو ما يمثل التحدي التنظيمي الأكثر تعقيدا إزاء أي مؤسسة. ولذا، فستكون جديرا بتعاطفي إذا ما كنت تعمل في شركة تهوى عمليات التخطيط الاستراتيجي المعقد. بطبيعة الحال، فإن من الحتمي وجود بعض العمليات من هذا القبيل كلما اتسع نطاق العمل، إذ أنه من العسير للغاية أن تُبقي على عناصر عملك كلها متراصة في أماكنها الصحيحة، دون قدر ما من التفكير التنظيمي.
ولكن ذلك يَصعُبَ أن يكون مُبررِاً لأن تسمح لعملية التعرف على الكيفية التي يمكن لك من خلالها تحقيق مكاسب في الأسواق التي اخترتها بأن تهيمن على ما تحتاج للقيام به من عمل فعلي. فالحكمة التي يتعين اتباعها هنا مفادها: “ابذل جهودا أكبر وتحدث على نحو أقل”.
نقطة أخيرة بشأن مبدأ البساطة تلائم المؤسسات الأكبر حجما بشكل خاص؛ كلما ازدادت المؤسسة حجما، زادت أهمية تنظيم العمل في العمليات والأنشطة المختلفة التي تقوم بها. الحقيقة المؤسفة هنا تتمثل في أنه لا يمكنك الجمع ما بين ضمان الحنكة وسرعة الحركة فيما يتعلق بإدارتك لأنشطتك التجارية، وتجنب الفوضى الناجمة عن التأخر في وضع الهيكل الإداري المنظم لعمل شركتك حتى يفوت الأوان، إذ يتعين هنا التضحية بأحد هذين الأمرين.
وفي هذا السياق يبرز السؤال: كيف يضع المرء هيكلا تنظيميا لمشروعه الضخم، أو الآخذ في النمو بسرعة؟ الجيد في الأمر أن هناك أربعة خيارات تشكل تفسيرا لـ 99 في المئة من الاحتمالات في هذا الشأن، ولذا فإذا ما كنت على علم بهذه الخيارات وأمعنت التفكير فيها، فسيكون بوسعك أن تقيم وتحدد أياً منها، سواء كان واحدا أو أكثر، يلائمك بشكل أكبر من سواه.
وهكذا، فمبقدور المرء تنظيم أو تأسيس مشروع تجاري من خلال تحديد طبيعة المنتج أو الخدمة التي يقدمها (مثلا، مشروع يقدم خدمة توفير مساحة تخزين على الإنترنت (سحابة إليكترونية)، أو مشروع يتعلق بسوق الهواتف المحمولة). وبوسع المرء تحديد طبيعة المشروع من خلال المستهلك الذي يستهدفه (هل هو قطاع صناعي، أو بالأحرى شركة تورد لشركة؟ أو شركة تورد لمستهلك مباشر).
كما قد يُصنف المشروع وتنظيمه وتأسيسه بحسب غرضه الوظيفي (هل يستهدف بيع منتجات أو تصنيعها؟)، أو بحسب المنطقة (الدولة) التي يقام فيها. هذه بحق هي كل الخيارات المتاحة على الطاولة. إذاً، هذا ما كنت تريده، وها قد تم تبسيط وفك تشابك تحديا كان معقدا.
فإذا كان من الممكن تبسيط التحديات، بالغة التعقيد على نحو مفرط، التي تواجه المؤسسات، والتي تم إبرازها في السطور السابقة؛ وهي عمليات الاندماج والاستحواذ وابتكار الأفكار الجديدة، ووضع الاستراتيجيات، والمسائل المتعلقة بالهيكل التنظيمي، فهل يمكن أن نتساءل ما الذي لم يتسن تبسيطه بعد في المؤسسات المفرطة في التعقيد التي أسسناها؟ إذا ما كففنا حقا عن التفكير في هذا الأمر، فسنجد أن الإجابة هي “ليس بالشيء الكثير”.