نادرا ما تتجاهل الحكومات والمنظمات الدولية في مساعداتها لحكومات دول أخرى، على الشكل الذي تجاهلت به «26 دولة مساعدة لبنان» الحكومة اللبنانية – الى حدود عدم الاعتراف بها – بالطريقة التي تجاهلت بها ذكر الدولة اللبنانية ولا حتى الحكومة اللبنانية الجهة الصالحة لتسلم المساعدات عن الأضرار والخسائر الناتجة عن الانفجار في مرفأ بيروت، وإنما اقتصرت في بيانها على ذكر «دعم بيروت والشعب اللبناني».
ومن الواضح ان هذه الصيغة تدلُّ على درجة فقدان الثقة الدولية بدولة لم يعد لديها من المقومات «السيادية» والمعنوية والمادية ما يؤهّلها لتسلم ما لا يزيد عن ربع مليار يورو مساعدات للشعب اللبناني في قطاعات الصحة والأمن الغذائي والاسكان والتعليم.
وهي الظاهرة التي باتت «تحصيل حاصل» في نظرة المجتمع الدولي الى نظام سياسي واقتصادي «انتهت صلاحياته» وانتقلت عمليا الى «مجموعات مدنية» بدليل ما تضمنه بيان الدول المساندة بأن المساعدات «يجب أن تسلم مباشرة الى الشعب اللبناني»!!! وأن تكون «تحت قيادة الأمم المتحدة» «وبتأكيد إضافي من رئيس فرنسا منظمة المؤتمر على ان المساعدات يجب أن تصل الى حيث يحتاجها الناس وأن تكون بمتابعة من صندوق النقد الدولي ومؤسسات أخرى» باتت تراها الدول المساعدة في الأمم المتحدة وفي صندوق النقد الدولي كـ «ضمانة» لعدم حرمان المحتاجين إليها، وتحوّلها الى «تجار غنائم المساعدات والهبات» من نقدية يستولون عليها أو عينية يبيعونها في الأسواق بأرباح فاحشة على الشكل الذي نشهده من سلع الدعم المحلية والمساعدات الدولية تملأ رفوف الأسواق التجارية وتحت مظلة سلطة لا تراقب ولا تحاسب.
ويبقى السؤال..
وأمام هذه «اللاثقة»، يبقى السؤال المتعلق بمدى ثقة المجتمع الدولي والعربي، ولا سيما صندوق النقد والبنك الدوليين وصناديق التمويل العربية، بالدولة والنظام في لبنان لجهة أي قروض أو مساعدات أو هبات تسعى أي حكومة لبنانية حالية أو مقبلة للحصول عليها. فإذا كان مبلغ مساعدات بأقل من ربع مليار يورو لا «يؤتمن» عليه نظام دولة الفساد والهدر والمحسوبيات، كيف يمكن تقديم قروض لهذا النظام بمليارات الدولارات دون اصلاحات أساسية في هذا النظام مالية ونقدية وهيكلية وإدارية تكون «ضمانة» لاستعادة هذه الأموال وفي مواعيد استحقاقاتها، لا سيما أن حكومة «تصريف الأعمال» أيام كانت قائمة وفاعلة كانت أول حكومة في التاريخ لا تفاخر فقط بأنها حددت – وبأرقام تراجعت عنها !! – فجوة الخسائر المالية، وإنما فاخرت أيضا بأنها امتنعت عن تسديد ما على الدولة من مستحقات والتزامات!