يواجه لبنان هذه الفترة أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، في ظل انهيار العملة المحلية وعجز اللبنانيين عن تلبية حاجياتهم الأساسية، لكن من المرجح أن تمهد هذه الأزمة الطريق لمستقبل أفضل.
في تقرير نشرته مجلة “فوربس” (forbes) الأميركية، قالت الكاتبة تاتيانا كوفمان إن لبنان يعاني أزمة حادة بلغت ذروتها مع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية إلى أدنى مستوياتها وانضمامها إلى قائمة العملات الأكثر انهيارا في العالم، مثل البوليفار الفنزويلي والدولار الزيمبابوي والبيزو الأرجنتيني، لكنها رأت أن الشعب اللبناني قادر على تخطي الأزمة، مقترحة عددا من الحلول البديلة للتعامل مع انهيار الليرة.
اقتصاد قائم على الاستيراد
في عام 1997، حدد البنك المركزي اللبناني سعر صرف الليرة عند 1507 مقابل الدولار الواحد، وعلى مدى العقدين الماضيين، اعتمد استقرار الاقتصاد اللبناني على سعر صرف ثابت للدولار الأميركي، وحافظت البلاد على توازن هش بين مداخيلها واحتياجاتها، وقام اقتصاد لبنان طوال السنوات الماضية على الخدمات، واعتمد بشكل كبير على مداخيل السياحة وعلى المساعدات الخارجية والقروض.
وحسب الكاتبة، فإن لبنان لم يتمكن بسبب الفساد والبيئة الاستثمارية غير الملائمة من تطوير اقتصاده بشكل يؤمن له الاكتفاء الذاتي مثلما فعلت دول مجاورة، ويستورد لبنان 80% من احتياجاته، مثل النفط واللحوم والحبوب.
هبوط الليرة
بدأت الإيرادات في لبنان تتراجع منذ اندلاع الاضطرابات في سوريا المجاورة، مما دفع المسؤولين للبحث عن حلول بديلة للحفاظ على استقرار الليرة، ومن تلك الحلول، رفع أسعار الفائدة إلى 14% من أجل تشجيع كبار المودعين على وضع مبالغ كبيرة في المصارف اللبنانية.
وبحلول عام 2019، ومع استمرار هبوط سعر صرف الليرة مقارنة بالدولار، أصدر رئيس مصرف لبنان المركزي رياض سلامة أمرا يُطالب فيه جميع مكاتب تحويل الأموال بصرف التحويلات النقدية بالليرة بدلا من الدولار، وكان هذا بمثابة أول إنذار جدي يؤشر لاستفحال أزمة العملة اللبنانية، وخلال الأشهر اللاحقة من عام 2019، تزايد الطلب على الدولار وبدا أن الأزمة في طريقها إلى منعطف جديد.
احتجاجات شعبية
في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، اندلعت الاحتجاجات بسبب فرض ضريبة إضافية على مكالمات واتساب، وكانت الاحتجاجات تعبر بشكل أساسي عن رفض الشارع اللبناني للفساد ونظام الحكم الطائفي الذي استمر لعقود.
وبينت الكاتبة أن النظام السياسي في لبنان قام على توازنات معقدة وتوزيع للسلطات بين الطوائف المختلفة لفترة طويلة، لكن البلد انقسم في آخر المطاف وتحول إلى ساحة صراع بين قوى متنافرة إيديولوجيا.
واستمرت الاحتجاجات السلمية لأشهر، وقد حاولت الحكومة إجهاضها لكن المتظاهرين لم يخضعوا للضغوط واستمروا في الخروج إلى الشوارع، مما دفع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى الاستقالة، غير أن الشعب أراد تغييرا جذريا.
اعلان
وتوقفت الاحتجاجات في نهاية المطاف بسبب جائحة كورونا التي تسببت في تفاقم الأوضاع الاقتصادية في لبنان، حيث فقد كثيرون وظائفهم ولم يعد لديهم ما يكفي لشراء المواد الأساسية، وخرق عدد منهم الحجر الصحي.
تزامن ذلك مع أزمة وقود وانقطاع متكرر للكهرباء ونقص حاد في الدولار، مما أثر على استيراد الحبوب واللحوم، وأصبح لبنان على شفير المجاعة.
ومع استمرار الاضطرابات الاقتصادية، سارع كثيرون إلى بيع الليرة وشراء الدولار، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء بنحو ١٠ آلاف ليرة للدولار الواحد، لتنخفض قيمة العملة اللبنانية بنسبة 85%.
ومع انتشار وباء كورونا وانهيار الليرة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية واصطف الناس أمام المخابز ومحلات الجزارة على أمل شراء احتياجاتهم من المواد الغذائية قبل ارتفاع الأسعار في اليوم التالي، لكن الأسعار استمرت في الارتفاع، واستمرت الحكومة اللبنانية في طباعة الليرة.
ما مصير لبنان؟
ترى الكاتبة أنه لا يمكن للبنان أن ينهض من أزمته الحالية دون إنشاء نظام نقدي جديد، لكن ذلك مرتبط أساسا بمدى ثقة اللبنانيين في السلطة القائمة وقدرتها على اتخاذ القرارات الصائبة التي يمكنها أن تُخرج البلد من عنق الزجاجة.
وحسب الكاتبة، فإن الشعب اللبناني لديه ٣ خيارات لإعادة إحياء اقتصاده دون انتظار تدخل الحكومة.
1. تبادل السلع
يمكن للبنانيين أن يختاروا سلعة تحظى بالثقة، مثل الحبوب أو الذهب واستخدامها بدل العملة المحلية من أجل الحصول على احتياجاتهم الأساسية.
2. الاعتماد كليا على الدولار
أكدت الكاتبة أنه لا يمكن لاقتصاد لبنان أن ينتهج سياسة الانغلاق لأنه يعتمد بشكل كبير على الاستيراد، لذلك فهو يحتاج إلى استخدام عملة أجنبية.
وأحد الحلول التي يمكن أن يعتمدها لبنان لمجابهة انهيار عملته المحلية هو الاعتماد بشكل كلي على الدولار، مثل ما قامت به زيمبابوي في 2009 عندما انهارت عملتها، واستمر ذلك إلى غاية 2019 عندما أصدرت عملتها الجديدة.
لكن سيناريو التحول الكلي نحو الدولار يطرح معضلتين أساسيتين، أولهما أن الارتباط بالدولار يضع البلد في وضع هش لأن الولايات المتحدة تجنح بشكل دائم إلى العقوبات الاقتصادية لفرض إرادتها السياسية، والثاني الشح في كميات الدولار المتداولة بسبب أزمة كورونا.
3. عملة البتكوين
يقول مؤيدو العملات الرقمية أنها صُممت أساسا كحل بديل للعملات التقليدية في مثل هذه الأزمات الاقتصادية، ويؤكدون أنها كانت وسيلة آمنة للتداول في دول عصف بها الفساد مثل قبرص وأوكرانيا وفنزويلا والسلفادور.
وفي ظل الوضع الحالي الذي تمر به لبنان، يتوجس الكثير من المغتربين من إرسال أموالهم إلى الداخل للمساعدة في حل الأزمة.
وحسب الكاتبة، فإن استخدام عملة البتكوين يمكن أن يكون حلا مثاليا لإرسال الأموال دون المرور بالمصارف وآليات التدقيق الحكومية، ويمكن استخدام البتكوين في التجارة الداخلية وشراء السلع الأساسية، كما يمكن يصبح أن تكون مفيدة في عمليات الاستيراد من الخارج.
ورأت الكاتبة أخيرا أنه مهما كان المسار الذي سيختاره الشعب اللبناني للخروج من أزمته، فإن الشيء المؤكد أنه يملك المقومات التي تجعله قادرا على تجاوز هذه الفترة الحالكة من تاريخه والنهوض مجددا وتحقيق الازدهار.
المصدر : الجزيرة