للمرة الأولى منذ يناير (كانون الثاني) 2022، أعلن «الاتحادي الفيدرالي الأميركي» ترك معدلات الفائدة دون تحريك لإتاحة الوقت الكافي لقياس أثر سياسات ترويض معدلات التضخم وتحقيق الهدف دون اضطرابات في معدلات النمو. وأعلنت «اللجنة الفيدرالية»، ظهر الأربعاء، قرارها الإبقاء على سعر الفائدة الأساسي ثابتاً بين 5 في المائة و5.25 في المائة وهو أعلى معدل منذ عام 2008.
وكان عدم صدور قرار وعدم اتخاذ أي خطوة خبراً مفرحاً وساراً في الأوساط الاقتصادية، وهو ما أثار السؤال: هل هذا القرار بداية النهاية للمستويات المرتفعة في التضخم أم نهاية لقرارات «الفيدرالي» المتكررة في رفع أسعار الفائدة التي امتدت على مدى الـ15 شهراً الماضية؟
لكن مسؤولي «الفيدرالي الأميركي» أشاروا إلى أن هذا التوقف قد يكون قصيراً ومؤقتاً لمدة معينة، وأن رفع الفائدة مرة أخرى يعد احتمالاً قائماً في اجتماعات «الفيدرالي» المقبلة في أواخر يوليو (تموز) المقبل. وفسر الاقتصاديون هذا الأمر بأنه مؤشر على محاولة توحيد آراء أعضاء لجنة السياسيات في «الاتحادي الفيدرالي» البالغ عددهم 18 عضواً ويواجهون انقسامات بين تيار يدفع نحو استمرار رفع سعر الفائدة مرة واحدة أو مرتين، وتيار آخر يرغب في ترك سعر الفائدة كما هو لبضعة أشهر، ومراقبة ما إذا كان التضخم سيأخذ مساراً أكثر اعتدالاً، وهو تيار يشعر أن اتخاذ قرارات برفع سعر الفائدة لمدة طويلة قد يزيد من خطر التسبب في ركود اقتصادي عميق في الولايات المتحدة.
وقد توقعت الأسواق المالية خلال الأيام الماضية أن يوقف «الفيدرالي الأميركي» السلسلة الطويلة من زيادات أسعار الفائدة بعد 10 زيادات على مدى الـ15 شهراً الماضية. وكان «الاحتياطي الفيدرالي» يهدف خلال تلك الفترة إلى تقليص الزيادات في الأسعار عن طريق إبطاء الاقتصاد وخفض طلب المستهلكين.
يأتي القرار بعد يوم من البيانات الجديدة التي أظهرت ارتفاع أسعار المستهلكين بنسبة 4 في المائة الشهر الماضي مقارنة بالعام الماضي، مما أدى إلى تباطؤ أكثر مما توقعه الاقتصاديون وعزز الآمال بأن التضخم سيستمر في العودة الثابتة إلى المستويات الطبيعية. وقد انخفض التضخم بشكل كبير من ذروة الصيف الماضي، لكنه ظل عند مستوى 5.4 في المائة، وهو معدل أكبر بكثير من هدف «الفيدرالي» للوصول إلى اثنين في المائة في معدلات التضخم.
وقد أظهرت التقارير الصادرة حديثاً انخفاض التضخم بشكل كبير في شهر مايو (أيار) الماضي، ليعود أقرب إلى المستويات الطبيعية. وتشير البيانات الصادرة في الأشهر الأخيرة إلى أن نهج «الفيدرالي الأميركي» قد نجح في تحقيق تباطؤ النشاط الاقتصادي. وبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 1.1 في المائة على مدى الأشهر الثلاثة المنتهية في مارس (آذار) من العام الحالي.
لكن انهيارات المصارف الأميركية ظلت أزمة تؤرق الأسواق بعد أن فشلت 3 بنوك من أكبر 30 بنكاً في الولايات المتحدة، واعترف الاقتصاديون بأن أسعار الفائدة المرتفعة ساهمت في انهيار تلك البنوك. ورغم ذلك؛ فإن إنفاق المستهلكين والتوظيف ظلا قويين، مما أدى إلى إنعاش الأمل بين بعض الاقتصاديين في أن صانعي السياسة يمكن أن ينجحوا في الحد من التضخم مع تجنب الركود.
وقد أظهر تقرير الوظائف الأميركي؛ الصادر في وقت سابق من هذا الشهر، أن سوق العمل نمت بقوة في شهر مايو الماضي، مضيفة 339 ألف وظيفة مقارنة بتقديرات «وول ستريت» البالغة 195 ألفاً فقط. وقال «بنك أوف أميركا»، في مذكرة بحثية الأسبوع الماضي، إن البيانات الاقتصادية الواردة تشير إلى المرونة في النشاط والالتزام بخفض التضخم، وأن الاقتصاد يواصل إظهار قوته. وأضاف البنك: «لا نعتقد أن (بنك الاحتياطي الفيدرالي) يقترب من الإشارة إلى توقف عن رفع أسعار الفائدة طويل الأمد. بدلاً من ذلك، نتوقع أن يقول (بنك الاحتياطي الفيدرالي) إن عدم اتخاذ أي إجراء في يونيو (حزيران) الحالي هو الأنسب في الوقت الحالي».
وعلى صدى هذا القرار؛ بدأت بوادر تحسن واضحة في الطلب على الرهون العقارية بعد انخفاض في معدلات الفائدة من 7.2 في المائة إلي 6.7 في المائة، ورغم أنه انخفاض طفيف في معدل فائدة الرهون العقارية؛ فإنه أفضل من المعدلات المرتفعة بشكل صاروخي خلال المدة نفسها من العام الماضي. وتوقعت تقارير أن تنخفض الإيجارات وأسعار السيارات المستعملة في وقت لاحق من العام الحالي؛ مما قد يعني قدرة «الاحتياطي الفيدرالي» على الحفاظ على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير، أو فقط اتخاذ قرار برفعه مرة أخيرة في يوليو المقبل إلى نحو 5.4 في المائة والاحتفاظ به عند هذا الحد.