رغم المصاب الأليم الذي ألمّ بلبنان نتيجة الإنفجار المُروع الذي سحق مرفأ بيروت وحطَم محيطه القريب والمتوسط في 4 آب 2020 ، تاركاً وراءه ذيولاً وجروحاً لن تندمل وآثاراً صدّعت الجسم الوطني المنهك أصلاً بتردّي الأوضاع الإقتصادية والمعيشية المزرية المزمنة، وبينما كنا نلملم الأشلاء المتبعثرة، أطلت علينا شمس الأمل.
تجلّت القدرة اللبنانية على الصمود في أبهى صورها وبجحافل شبابها وشيوخها، من خلال حملة تضامن غير مسبوقة من الأمّة جمعاء بجناحيها المقيم والمغترب؛ بحيث سارعت الجمعيات وتهافت المواطنون من كل حدب وصوب وإنتماء لمدّ يد العون والمساعدة والإعانة والإغاثة لإخوانهم المتضررين وملء فراغ الدولة الغارقة في فشلها وفسادها.
ورغم شحّ الموارد وضعف الإمكانات وجائحة كورونا المتعاظمة، قام هؤلاء الأبطال بدور رائد في تقديم العون والمساعدة والخدمات الاجتماعية والطبية للأشخاص المتضررين والمعوزين، وخصوصاً في مجالات الإغاثة والإسعاف والترميم وإعادة البناء؛ ما جعل عملهم رديفاً، في بعض الميادين والحالات، لعمل الأجهزة الحكومية ومكمّلاً لدور الدولة العاجزة عن تلبية جميع وثائر الحاجات والطلبات المتعاظمة مع تفاقم الدين العام وتأزّم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية الصعبة.
وقد حذا المجتمع الدولي والمنظمات التابعة له حذو المنظمات والجمعيات المحلية وقدّموا ما قدّموه وما زالو يقدّمونه مباشرةً إلى ذوي الحاجة دون المرور بالدولة أو صناديقها (السوداء) أو خزينتها المثقوبة متجاهلين، في معظم الأحيان، الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء، لاسيما بالنسبة للرسوم المترتبة على المساعدات والإعانات والمنح التي تؤول إلى الأفراد والمؤسسات الخيرية وإلى الجمعيات الرياضية أو الثقافية أو الفنية أو الخيرية، بطريق الهبة أو الوقف أو الوصية أو ما في حكم ذلك؛ ونحن لا محال «في حكم ذلك».
ولمّا كانت التشريعات المرعية الإجراء ذات الصلة بالجمعيات والمساعدات والهبات، لاسيما تلك المتعلقة بتحفيز نشاطاتها أو تأمين الإعفاءات من الضرائب والرسوم، ما زالت على قدمها ولم يتمّ تطويرها في ظلّ مفاهيم تقليدية ومعايير هالكة لم تعد تتلاءم مع الظروف الواقعية الحالية، لاسيما تلك الناتجة من أزمات وأحداث، كتلك المنوّه عنها أعلاه. بيد أنّ من شأن تلقّي المساعدات والهبات والتبرعات، العينية والنقدية، الممنوحة للإغاثة والإعانة والإسعاف كما ولإصلاح وترميم ما تضرّر وإعادة بناء ما تهدّم، تحميل المستفيد منها، من أفراد و/أو مؤسسات و/أو جمعيات، موجبات ضريبية هائلة ناتجة من تطبيق أحكام المرسوم الإشتراعي رقم 146 تاريخ 12/6/1959 (قانون رسم الإنتقال) ولاسيما المادتين 16 و44 منه، بحيث يُفرض رسم الإنتقال بنسب عالية على كل هبة تتجاوز قيمتها مليون وستماية ألف ليرة بالنسبة للأفراد (يصل الرسم إلى 45% في حال عدم وجود رابط عائلي) ومئة مليون ليرة لبنانية إذا كان الموهوب له مؤسسة خيرية أو جمعية رياضية أو ثقافية أو فنية أو خيرية أو دينية (تطبّق النسبة المقرّرة للفئة الثالثة أي بين 9 و24% حسب الشطور).
ولا نخال الدولة «العلية» المفلسة قد تتوانى لحظةً، عاجلاً أم آجلاً، عن إستعمال «حقها» وتطبيق النصوص المرعية لتحصيل الرسوم والضرائب والغرامات المترتبة من المستفيدين، أفراداً وجمعيات، ومطالبتهم كشريك مضارب بحصتها مما حصلوا عليه، لاسيما من الخارج، أو أقله إبتزازهم. ولا شك أنّ الآلية المتبعة من قِبل مصرف لبنان أخيراً بموجب القرار الأساسي رقم 13262 تاريخ 27/8/2020 (التعميم رقم 154) والتهديد بالولوج إلى أحكام قانون مكافحة تبييض الأموال رقم 44 /2015 ولاسيما بندي الفساد والتهرّب الضريبي، هي بمثابة إنذار مسبق على ذلك، وخير دليل على جنوح السلطة نحو إستعمال وتسخير القوانين، ولاسيما الضريبية منها، للتهديد والتهويل وتحقيق المآرب.
كل ذلك ناهيك عن عدم وجود، من جهة أخرى، نصوص قانونية وتشريعية نافذة راهناً تشكّل حافزاً مهمّاً للمتبرعين والممولين الطوعيين، نظراً لعدم تطور القوانين المتخصصة وعدم ملاءمتها هي أيضاً (المرسوم رقم 14913 الصادر في 17/7/1970، المعدّل بموجب المرسوم رقم 1785 تاريخ 14/2/1979، الذي عيّن الحدود العامة لنفقات الإسعاف التي يمكن تنزيلها من الأرباح الخاضعة لضريبة الدخل بموجب البند التاسع من المادة السابعة من المرسوم الإشتراعي رقم 144 تاريخ 12 حزيران 1959، بالنسبة للجمعيات التي لا تحوز على صفة المنفعة العامة، بنسبة واحد بالألف من مجموع قيمة واردات المؤسسة السنوية الدافعة غير الصافية، شرط أن لا يتجاوز خمسة عشر ألف ليرة لبنانية في السنة).
وبما أنّه من المتاح للدولة إذا أرادت، بدلاً من التلطي والتجنّي، المساهمة هي ايضاً بصورة فعّالة في تمويل القطاع الأهلي بصفة غير مباشرة، وتفويضه ببعض المهام لمرحلة إنتقالية، من خلال وضع قوانين لإعفائه من بعض الضرائب و/أو إعطاء حوافز وتنزيلات لتشجيع التبرعات والمساهمات. وحيث أنّ النصوص الاستثنائیة التي صدرت عن المجلس النیابي في الجلسة التشریعیة الأخيرة، أو المقترحة راهناً من قِبل الحكومة المستقيلة بموجب مشاريع قوانين، لیست كافیة لتغطية الحاجات وتحقيق الهدف المرجو الآنف الذكر، كما ومواجهة الظروف الاستثنائیة الراهنة؛ كان من الضروري والواجب، والحال ما تقدّم، بالنسبة للجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين (ALDIC) القيام بدورها كمرصد، والتنبيه مما تقدّم، كما وتقديم إقتراح قانون له صفة المعجّل المكرر، يرمي إلى منح بعض الإعفاءات الإستثنائية بالنسبة للمساعدات والهبات والتبرعات، التي يُثبت أنّها دُفعت على سبيل الإسعاف أو التبرع أو الإحسان، إلى أفراد أو عائلات أو مؤسسات متضررة بنتيجة إنفجار مرفأ بيروت تاريخ 4/8/2020، كما ومنح حوافز للواهبين وأصحاب الخير، تُشجعهم على المضي قدماً في هذا المنحى النبيل.