في بلدٍ اقتصاده منهار تأتي الحرب لتقضي على ما تبقى من مقومات لهذا الاقتصاد، و في طليعتها القطاع السياحي الذي نعاه المعنيون بهذا القطاع، إلى كل القطاعات الأخرى التي تتأثر بشكل مباشر او غير مباشر بهذه الحرب.
و إذا كانت هذه القطاعات تصارع حتى الرمق الأخير وتواجه بكل طاقاتها تداعيات الحرب التي ما زالت حتى الآن محصورة نوعاً ما في الجنوب اللبناني وبعض مناطق البقاع، لكن ماذا لو توسعت هذه الحرب لتشمل كل المناطق اللبنانية فهل سيتحمل الاقتصاد اللبناني المزيد من الخسائر وهل سيتمكن من النهوض بعد انتهاء الحرب؟
في السياق يقول الخبير الاقتصادي الدكتور بلال علامة في حديث للديار: على وقع توسيع خطة الطوارئ التي أعلنت عنها الحكومة اللبنانية لمواجهة مخاطر وتبعات الحرب الدائرة في الجنوب اللبناني وفي حال توسعت الحرب لتشمل كل لبنان ثمة قسم كبير من الشعب اللبناني يعتبر أن الوقت غير مناسب لتحديد الخسائر الاقتصادية أو المالية على قاعدة أن “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” ، وثمة قسم آخر في المقلب الآخر يدق ناقوس الخطر وينبه ويحذر من أن ظروف حرب تموز 2006 مختلفة عن ظروف اليوم، حيث اقتصاد لبنان في ترنح وكما يقال «لا تهز الواقف ع شوار».
و يحذر علامة من أن أي توسع للحرب سيكون مدمراً على البلد الذي لن تكون قيامته سهلة وسريعة على غرار 2006 وعلى قاعدة أن لبنان في تموز من العام 2006 عرف حرباً في وجه “إسرائيل” ودمرت بناه التحتية، ثم عاد وبنى نفسه من جديد، وكذلك فعل نموه الاقتصادي الذي سرعان ما عاد إلى الارتفاع بعد سنةٍ من العدوان.
و يوضح علامة ان النتائج المترتبة عن الحرب وتوسعها تعتمد على مدة القتال وطبيعة المشاركة في المواجهة المباشرة، فإن الحرب الطويلة والممتدة ستدمّر اقتصاد لبنان المنهك بالفعل، إذ انه منذ العام 2018، يعاني لبنان من إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم، مع انخفاض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي التراكمي بنسبة 50%، وانهيار العملة، ومعدل تضخم ثلاثي الارقام. وتواجه البلاد أيضاً أزمة سياسية وانقسامات خطرة أدت إلى شلل في السياسات، وأزمة حكم تتسم بانتشار الفساد على نطاق واسع وبشكل بنيوي يستحيل التخلص منها حالياً، وأزمة ثقة محلياً ودولياً، وازمة مالية تسببت بخسائر فادحة بالعملات الأجنبية، بالاضافة الى خلل وشلل القطاع المصرفي الذي يعاني من مشكلة جوهرية هي فقدان دوره الاقتصادي والتنموي بعد تحول النظام المصرفي في لبنان الى نظام الزومبي.
و وفقاً لعلامة فإن معظم اللبنانيين يفضلون عدم التورط في الصراع الحالي، لانه قد يؤدي إلى مزيد من الخراب في البلاد، إذ ان أضرار حرب تموز في العام 2006 بين حزب الله و “إسرائيل”، لا تزال عالقة في أذهان الشعب اللبناني رغم المساعدات الهائلة التي قدمت للبنان كتعويض عن نتائج وخسائر الحرب في حينه. لكن لسوء الحظ يقول علامة في ظل الشلل السياسي القائم وعدم القدرة على انتخاب رئيس للجمهورية منذ تشرين الأول 2022 وحكومة تصريف أعمال ذات صلاحيات محدودة، فإن قرار المشاركة أو عدم المشاركة في الحرب ليس بيد الشعب أو السلطات اللبنانية.
و في هذا السياق يشير علامة الى أن اتساع مشاركة حزب الله في الحرب، بما في ذلك إطلاق الصواريخ والقذائف الصاروخية على شمال فلسطين المحتلة وعلى المستوطنات الإسرائيلية وعلى أهداف استراتيجية في الكيان الإسرائيلي ، ممكن أن يؤدي إلى ردّ فعل إسرائيلي قويّ يشمل قصفاً عنيفاً على الجنوب وعلى المدن الاساسية في لبنان كذلك ما تبقى من بنى تحتية لبنانية متهالكة، ما من شأنه أن يدمر الاقتصاد اللبناني بعد أربع سنوات من الأزمات الاقتصادية والمالية الكارثية ، لافتاً الى أن احتمال حدوث خسارة إضافية في رأس المال بسبب الحرب قد يستغرق أكثر من عقد من الزمن لاسترداده، مما سيؤدي إلى مزيد من التأخير في التعافي الاقتصادي. يمكن أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 20% وسيتسع عجز الحساب الجاري والعجز المالي، وقد تُستنزف الاحتياطيات الرسمية من النقد الأجنبي، وقد تتفكك البلاد.
ويشير علامة إلى ان وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام قال في شهر نيسان الماضي إن خسائر البلاد الاقتصادية جراء الحرب الجارية في غزة وجنوب لبنان وصلت إلى 10 مليارات دولار، مفصلاً عدة أنواع من الخسائر الاقتصادية التي يتعرض لها لبنان نتيجة الحرب وتوسعها وهي:
-الخسائر المباشرة التي تأتي من تدمير المنازل وضرب الأراضي الزراعية وتدمير المؤسسات الإقتصادية، وتختلف التقديرات المادية فيها وهذه الخسائر تزداد بوتيرة سريعة طالما استمرت المعارك وجولات القتال.
-النوع الثاني خسائر غير مباشرة، من خلال توقف الاستثمارات الأجنبية وحتى المحلية ولا تتوسع الأعمال على اعتبار أن الأفق غير واضح وقد يؤدي الأمر الى إقفال معظم الشركات ومؤسسات القطاع الخاص.
-النوع الثالث يتمثل بغياب مردود القطاع السياحي الذي يعتبر من القطاعات المهمة للبنان لإدخال العملات الصعبة علماً أن المعنيين بالقطاع السياحي أعلنوا جهاراً عن انتهاء الموسم السياحي اعتباراً من منتصف تموز المنصرم.
ويتخوف علامة في حال الحرب الشاملة، فإن لبنان سيخسر جزءا كبيرا من المداخيل مقارنة بـ 2023، كما أن الموسم السياحي الصيفي منته بحكم الواقع” وهنا نتكلم على خسائر مباشرة أكبر وخسائر غير مباشرة أكبر بغياب المستثمر مدة طويلة” محذراً من أن توسع الحرب قد تسبب نتائج كارثية على الاقتصاد اللبناني قد تكون مكملة للنتائج الكارثية التي سببتها السلطة السياسية المتسلطة على البلاد والعباد منذ عشرين عاماً ونيف بحيث يستحيل بعدها قيامة لبنان وتعافيه.