لا أمل في مكافحة الفساد في لبنان

بعد الضغوطات التي مورست على لبنان من قبل المجتمع الدولي وإقران الإفراج عن أموال مؤتمر “سيدر” بسلة من الإصلاحات الجدية لتخفيض العجز في الموازنة العامة للدولة اللبنانية، ارتفعت أصوات المندَّدين بالفساد والفاسدين، وعلت رايات مكافحة الفساد من قبل كل الأفرقاء اللبنانيين المشاركين في السلطة، ومن بينهم قوى كانت وما تزال تمسك بزمام الأمور منذ أكثر من 30 سنة، وشهدنا بعض الإجراءات التي طالت فاسدين “صغار” أكان في سلك القضاء أو الأمن أو الوظيفة العامة. على مدى عقود مضت كانت أموال الدولة تنهب من الجميع تحت مسمّيات كثيرة منها السمسرات ومنها التحاصص ومنها الغنائم ومنها المكاسب ومنها المشاريع وغيرها. لم تسلم جهة من لوثة الفساد، فالجميع مشارك في الجريمة والمضحك المبكي، أنهم جميعهم اليوم ينددون ويهددون ويتوعدون بمكافحة الفساد.

استطلعت”البيان” آراء باقة من الأكاديمين حول الآلية التي يجب أن توضع لمكافحة الفساد في لبنان وطرحت عليهم سؤالاً موحداً: “برأيكم كيف يكافع الفساد؟”.

المهمة الصعبة وربما المستحيلة

كانت المحطة الأولى مع الدكتور عبد الغني عماد الذي أجاب  قائلاً: “هناك موجة عارمة من قبل الطبقة السياسية تنادي بمكافحة الفساد. إن هذا الكلام الدعائي والإعلاني من قبل الطبقة الحاكمة مثير للريبة طالما أنه باق  ضمن سياق كلام دون وضع إستراتيجية وآلية واضحة لمكافحة الفساد، وأنه مجرد شعارات ترفع وتصريحات يتبجَّح بها أفراد تلك الطبقة عبر وسائل الإعلام. إن طبيعة النظام اللبناني، من وجهة نظري، مولّد للفساد، وذلك لأن الطبقة السياسية في لبنان تعيد إنتاج نفسها في كل مرحلة إنتخابية. وبالتالي أصبح لديها شعور أنها صاحبة سلطة مطلقة وخالدة وأن أعضاءها مكرَّسون زعماء للطوائف التي ينتمون إليها، وأن إقالة أي واحد منهم بمثابة حذف للطائفة التي يحتكر تمثيلها. من هنا، كيف سيحارب إبن هذا النظام الطائفي والتحاصصي الفساد وهو مستفيد منه ومعتاش عليه؟ هناك مجموعة مقومات أساسية لبناء استراتيجية لمكافحة الفساد. تمّ في مراحل سابقة إعداد استراتيجيات لمكافحة الفساد كلفة خزينة الدولة أموالاً طائلة نامت في الأدراج. من أهم مقومات مكافحة الفساد قرار سياسي شامل وجامع بإقرار آلية لمكافحة الفساد يرفع على أساسها كل السياسيين الغطاء عن جميع المرتكبين مهما علت رتبته أو شأنه. كذلك إطلاق عمل المؤسسات الرقابية وعدم التدخل في شؤونها بشكل قاطع ونهائي. ثم تطهير الجسم القضائي من العناصر الفاسدة، إضافة الى ذلك، رفع السرية المصرفية على كل من يتبوأ منصب عام في القضاء أو في مرفق عام أو في المؤسسات العسكرية.”

المساواة وتعزيز المواطنية

استقبلنا في محطتنا الثانية الدكتور رامز طنبور الذي أجاب بدوره على سؤالنا قائلاً: “إن تركيز الحكومة اليوم على موضوع مكافحة الفساد سببه الأوضاع المتردية داخلياً والضغوطات الخارجية المرتبطة بمؤتمر سيدر والمعونات المالية الآتية من خلاله. التركيز الحاصل اليوم هو على قضايا الفساد المالي والإداري. هذا النوع من الفساد جاء نتيجة عقلية وثقافة معينة تمارَس منذ عقود. إن أسس مكافحة الفساد تبدأ بتعزيز مفهوم المواطنية وبتفعيل موضوع المحاسبة. إنهما نقطتان لا بد منهما قبل التطرق الى التفاصيل. إن تعزيز المواطنية يكون من خلال احترام المواطن وتأمين حقوقه الأساسية لكي يبقى في البلد، ولا يهاجر بحثاً عن وطن يحترم إنسانيته ويؤمن له أدنى حقوقه. كما أن تعزيز المواطنية يكون عبر تحقيق العدالة والمساواة بين الجميع. نعيش اليوم حالة من الظواهر الغريبة التي يدفع ثمنها الشباب الذين ينتظرون فرص العمل لبناء مستقبلهم. فنرى من جهة قرارات صادرة تجمدها الحكومة وتقفل أبواب التوظيف في وجه أبنائها، بينما نشهد من جهة أخرى توظيفات بآلاف الأعداد عن طريق الواسطات والمحسوبيات. هذه الظواهر لها تداعيات خطيرة على الناس الذين “كفروا” بهذه الحالة، ودفعت بمن يستطيع من شباب البلد الى الهجرة. إن آليات مكافحة الفساد تحتاج الى أسس لتنطلق منها وهي: تعزيز مفهوم المواطنية من خلال العدالة والمساواة ثم تفعيل المراقبة والمحاسبة والقضاء. من هنا يبدأ مشوار عملية محاربة الفساد. “

نظامنا اللبناني يشجع على الفساد

في محطتنا الأخيرة، كان لنا لقاء مع الأستاذ الياس خلاط الذي اعتبر “أن مكافحة الفساد أمر مهم جداً إلا أن النظام اللبناني لا يساعد على  تحقيق هذا الأمر. ويتابع حديثه قائلاً: “النظام اللبناني القائم على الطائفية والحصص لا يمكن أن يساعد على مكافحة الفساد، ومهما يكن هذا النظام مثالياً وشفافاً، إلا أنه يشجع على الفساد. إن الدولة المدنية بامتياز مجهَّزة بشكل أكبر لكي تكافح الفساد. ويبقى السؤال: الى أي مدى لدينا في لبنان سلطات رقابية مستقلة؟ إن السلطات الرقابية المستقلة باستطاعتها أن تقدم تقارير وأن تكافح الفساد. لكن الى أي مدى مسموح لها أن تقوم بدورها والى أي مدى لم ينل منها الفساد هي أيضاً؟.لا أتهم أحداً لكن تلك السلطات الرقابية هي من ضمن التركيبة وآتية من خلال المحاصصة السياسية والطائفية. لا يمكن مكافحة الفساد بشكل فاعل إلا من خلال الدخول في موضوع الدولة المدنية ونظام محاسبة عصري. هكذا سنجد تلقائياً التحسينات التي ستطرأ والتي ستطور بشكل إيجابي.لكن في الواقع حالياً جميعنا فاسدون أو مشاركون في الفساد عبر رشوة من هنا لتسهيل معاملة أو تمرير أمورنا في دائرة رسمية معينة أو غيرها. الفساد يبدأ من أسفل الهرم من المواطن ليصل الى أعلاه وبدرجات متفاوتة. في ظل النظام اللبناني الحالي لا أحد يحدّثني عن سياسة لمكافحة الفساد. ربما يمكننا أن نطبق ذلك في ظل دولة مدنية بإمتياز ونحن لسنا قريبين من تحقيق هذا الأمر.”

 

بواسطةكارينا أبو نعيم
مصدرجريدة البيان
المادة السابقةتقرير مصرف لبنان عن عام 2018: الدين العام 85.1 مليار وتحويلات المغتربين 7 مليار دولار
المقالة القادمةالعجز الإجمالي للموازنة ينخفض 18.32% إلى 2.39 مليار حتّى أيّار 2019