سيبقى البنك الدولي يتذرّع بشروط عقد نقل الغاز المصري إلى لبنان، لتأمين التمويل، إلى حين يبدي لبنان جدّية مطلقة في استئناف عملية الاصلاح والاتفاق نهائياً مع صندوق النقد الدولي على برنامج إنقاذ، وهو ما يتطلب بالتالي إقرار الإجراءات الاولية المطلوبة من قِبل الصندوق، أوّلها مشاريع القوانين الاربعة القابعة في مجلس النواب، تمهيداً لتوقيع الاتفاق النهائي.
كيف يمكن التعويل على أي جهة مانحة او المجتمع الدولي، لإقراض لبنان فلساً واحداً قبل تشكيل حكومة جديدة، وقبل ان يستأنف مجلس النواب نشاطه التشريعي، وقبل ان يتفق المسؤولون محلياً على خطة التعافي للنهوض بالاقتصاد، وقبل ان تتضح النيّة السياسية والتوافق السياسي على بدء عملية الإصلاح المنشودة وإقرار الاصلاحات الاولية المطلوبة دولياً؟
هذا ما يفسّر أيضاً لماذا منح البنك الدولي تمويلاً لمشروع البطاقة التمويلية الذي أعلنت عنه حكومة ميقاتي، والمقدّرة كلفته بحوالى 556 مليون دولار سنوياً، حيث اكّد وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هيكتور الحجار امس، أنّ «برنامج البطاقة التمويلية المخصّص للعائلات التي فقدت يسرها بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، لم يتمّ تأمين التمويل اللازم له، لأنّ الدولة لم تستطع بعد تطبيق الشروط المطلوبة من قِبل البنك الدولي للحصول على قرضٍ لتمويل البطاقة التمويلية».
وهذا ما يفسّر أيضاً تلكؤ الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الكويت، في تنفيذ القرض الذي تمّ إقراره من قِبل مجلس النواب اللبناني وإدارة الصندوق العربي لمصرف الإسكان والبالغة قيمته حوالى 165 مليون دولار.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ القرض الذي وافق البنك الدولي على منحه إلى لبنان بهدف شراء القمح بقيمة 150 مليون دولار ومواصلة دعمه، لا يزال على المحكّ، بانتظار إقراره في مجلس النواب، ليباشر البنك الدولي بعدها إجراءات تنفيذه.
وفي المعلومات، انّ ادارة البنك الدولي طلبت، بالإضافة الى ربط تمويل خطة نقل الغاز المصري الى لبنان برفع التعرفة، تصوراً واضحاً او دراسة من الجانب اللبناني حول كيفية او خطته لسداد ديونه، بعد تخلّفه عن سداد اليوروبوندز وكافة مستحقات القروض السابقة، وهو الامر الذي لم يلبّه لبنان لغاية الآن.
في هذا السياق، أوضح النائب السابق ياسين جابر لـ«الجمهورية»: «انّه منذ العام 2020 وبعد ان صدرت خطة حسان دياب للتعافي ونحن نقول انّ الارقام وحجم الخسائر قد تختلف مليار «بالزايد او بالناقص»، إلّا انّ المطلوب والأساسي هي الاصلاحات. وقد سألت رئيس فريق صندوق النقد الدولي مارتن سیریزولا خلال أحد الاجتماعات معه في لجنة المال حينها حرفياً: هل يمكن ان توقّع مع لبنان برنامجاً او تمنحه تمويلاً ما من دون تطبيق الاصلاحات المطلوبة؟ فكان جوابه: طبعاً لا!».
وأشار جابر إلى انّ كلفة المولّدات والمازوت تشكّل حالياً أزمة كبيرة ومدمّرة لكافة القطاعات من مستشفيات وفنادق وشركات وغيرها، «هل يُعقل أننا لغاية اليوم لم ننفّذ الاصلاحات المطلوبة في قطاع الكهرباء؟ لم نرفع التعرفة؟ لم نعيّن الهيئة الناظمة ولم نباشر إعادة هيكلة القطاع؟».
وقال: «يجب تغيير طريقة ونمط ادارة الدولة. لا يمكن ان تستمرّ الامور على حالها بعد اليوم. الإصلاحات هي الأساس، ولا يمكن ان تنفّذها جهة او فريق واحد، بل تتطلب توافقاً وإرادة جامعة، لأنّه حان وقت الاصلاح، خصوصاً انّ القوانين موجودة وحاضرة».
أضاف جابر، انّ «المشكلة اليوم أننا دخلنا في نفق تصريف الاعمال الذي لا يسمح لنا بتعيين هيئة ناظمة او اتخاذ القرارات الاخرى الاصلاحية في كافة القطاعات، مما يشير الى انّ الاصلاحات ستتأخّر إلى ما بعد فترة الانتخابات الرئاسية».
وفيما أكّد انّ الإصلاحات هي المفتاح للحصول على التمويل، شدّد على ضرورة ان يعي الجميع انّ البنك الدولي او صندوق النقد الدولي او غيره هي مؤسسات مالية، تقوم بإقراض الدول وليس إيداع الاموال فيها، وبالتالي، لا يمكن لأي جهة أن تقوم بإقراض أي طرف من دون ان يبرهن الاخير انّه قادر على السداد في المستقبل.