يرى مستشار وزير المال الذي يشارك ضمن الوفد المفاوض مع صندوق النقد الدولي هنري شاوول أنّه “عندما وُضعت الخطة المالية الحكومية، اعتبر صندوق النقد الدولي أنّ المشكلة تكمن في خسائر النظام المالي. وأكّد ممثّلوه على وجود خسائر غير مذكورة. لا شك أنّ الصندوق يملك معطيات أكثر من الحكومة مجتمعة. ففي لبنان يبدو الحديث عن بيانات مصرف لبنان كمن يضرب بالمندل. قدّم مشروع الحكومة حقائق للمرة الأولى، وقد سُمّيت الأمور كما هي. في الواقع، بدأت المصارف تنكشف قبل قرار امتناع الحكومة عن دفع مستحقات اليوروبوندز. فالمشكلة لا تتمثّل بالسيولة فحسب. بل إنها قضية كذب على الشعب بغية تناتُش ما تبقى قبل الانهيار الأخير”.
ويضيف شاوول: “لا حلول في المدى القريب. فمن جهة، لا تعبّر ميزانيات المصارف عن حالة هذه المؤسسات، وهو ما أكّدته شركات التدقيق. ومن جهة ثانية، لا يملك مصرف لبنان أيّ احتياطات. بل إنّ كلّ التمويل يتمّ راهناً من الموجودات، وتحديداً من ودائع الناس التي يستخدمها المركزي من دون وجه حقّ، وفقاً لقانون النقد والتسليف. وبحسب القانون عينه، فإن عملية تمويل الدولة طوال تلك السنوات كانت مخالفة. من هنا، لا يكون التدقيق الجنائي مسألة أرقام سرية وداتا غير قابلة للكشف. فالقضية أخطر من ذلك بكثير، وهي تطال إدارة البلاد وسياستها المالية والنقدية، وهي كناية عن “دكانة” بكل ما للكلمة من معنى”.
من دون تدقيق تشريحي، لا أمل في معرفة ما يحصل في أروقة البنك المركزي. ولا إمكانية لمعرفة واقع احتياطي الذهب والعملات الصعبة…في هذا الإطار، لا يمكن تجاهل تصريح حاكم البنك المركزي رياض سلامة منذ أسابيع قليلة عندما قال إنه “لا حاجة للتدقيق الجنائي، فالنظام المصرفي متعاقد ومنذ عقدين من الزمن من شركتين عالميتين هما “Deloitte” و”Ernest & Young”. وعلى الرغم من أنّ هذا الملف ليس موضوع الحديث هنا، إلا أنّ تصريح سلامة يطرح اكثر من نقطة استفهام:
“لم يكن ليتوقف التدقيق الجنائي عند حسابات مصرف لبنان ووزارة المال، ولا حتى كلّ الوزارات والمؤسسات العامة والأهم عقود الدولة، بل كان يجب أن يطال القطاع المصرفي ككل”، يقول شاوول: “وهنا يكمن سبب تعطيل المحاسبة الجنائية. أما السرية المصرفية المفروضة لحماية أسرار السياسيين وتفاصيلهم المالية، وتغطية عمليات تبييض الأموال، والتهرّب الضريبي، فآن الأوان لكي تُرفع. بمعنى آخر، ليست السرية المصرفية لحماية الأفراد العاديين، بل إنّها تحمي الفساد وآلياته…”.