أعلنت وزارة المال في حكومة تصريف الأعمال التزامها تقديم موازنة 2025 في موعدها الدستوري، وحثّت جميع المؤسسات والهيئات والمجالس والصناديق العامة، التي تستفيد من مساهمات مالية تُلحظ في الموازنة، على «إيداع وزارة المالية قبل نهاية أيار الحالي مشاريع موازناتها مرفقة بكافة المستندات التبريرية والإحصاءات والإيضاحات المطلوبة المرتبطة بنفقاتها وإيراداتها». ولفت إلى «أن مديرية المحاسبة جاهزة اعتباراً من اليوم لمناقشة هذه الموازنات».
فوزارة المال تسعى، استناداً الى مصدر مالي، الى التخطيط والمساهمة في إعداد مشروع موازنة واقعيّ يلبّي الحاجات ويأخذ في الاعتبار الإمكانات التمويلية، فالشراكة والتعاون يبدآن قبل عملية تنفيذ الموازنة عبر تقديم موازنات واقعية لتلك الإدارات، من دون أن تُغفل مشاركة جميع الأطراف من مجتمع مدني وقطاع خاص.
واستناداً الى وزارة المال، ينبغي عدم تحميل موازنة العام 2025 أي أعباء إضافية يمكن الاستغناء عنها أو تأجيلها، لعدم إحداث أي حاجات تمويلية تفوق قدرة الخزينة على تحمّلها، ما يقتضي اتخاذ إجراءات تقشّفية تؤدي هذا الغرض مع دفع الخطوات الإصلاحية واستكمال ما بوشر به في موازنة 2024 لجهة تعزيز الواردات بما يغطّي نفقات الخزينة ويحصّن الاستقرارين المالي والنقدي.
وبذلك قد يتراءى للمتابع أن موازنة 2025 ستكون مختلفة عن سابقاتها وتحديداً موازنة 2024 التي تمّ تعديلها من لجنة المال والموازنة والتي لا تعتبر إصلاحية في وقت تتعطّش البلاد الى الإصلاح.
الموازنة المدروسة لا تعدّل
وفي ظلّ هذه الأجواء، لا يبدو وزير الاقتصاد السابق ألان حكيم متفائلاً من تلك الموازنة إذ قال لـ»نداء الوطن»: «أنا غير متفائل من موازنة 2025»، وأضاف «أن تعديل الموازنة ليس فعلاً رجولياً أو بطولياً، فالموازنة المدروسة بطريقة عادلة ولديها أهداف لا تعدّل بالشكل الذي شهدناه في موازنة 2024، والسهر على تعديل المواد كـ»ذرّ الرماد في العيون».
ورأى حكيم أنه «يجب أن تكون الموازنة عكس ما كانت قبلاً. لا يجب أن تشبه الموازنات التي تمّ إقرارها سابقاً، والتي كانت الأرقام والضرائب التي تتضمّنها لا ترتكز على أسس واضحة. فإذا أردنا موازنة «طبيعية» يجب أن تتوفّر فيها النقاط التالية:
1 – أن يكون هناك توجّه واضح يتمحور حول خطة شاملة تتضمّن الرؤية الاقتصادية والمالية والنقدية للدولة وفي الوقت نفسه أن يكون هناك توجّه واضح لتكون الموازنة مواكبة ومصدراً للنمو المرتقب، وترتكز على سياسة مالية وسياسة ضريبية اجتماعية مالية تراعي الشرائح المتوسطة والمتدنية اقتصادياً. وأن تكون متوازنة في الإيرادات والنفقات وواضحة من حيث توفّر جدول مدفوعات، فالتوازن يخلق نوعاً من الإنتاجية المعدوم لدى الدولة اللبنانية.
2 – يجب الأخذ في الاعتبار الإصلاحات، لأن موازنة من دون إصلاحات ومن دون إعادة هيكلة للدولة اللبنانية لا تصلح لشيء، هي مجرّد copy paste.
3 – المصاريف التشغيلية يجب أن تتضاءل وألا تكون بنسبة 94% على غرار الموازنة الحالية، والنسبة الموضوعة للنموّ يجب أن تكون مرتفعة وليس بنسبة 6% كما في موازنة 2024، فالمصاريف التشغيلية بكل القطاعات تعادل عادة نسبة 34%.
4 – يجب أن يتمّ الأخذ في الاعتبار النسبة التي تُعطى لرواتب القطاع العام. لذلك يجب أن تتماشى الموازنة مع إعادة هيكلة الدولة.
5 – الجباية يجب أن تكون أكيدة وواضحة لا أن تسدّد بأثر رجعي.
6 – يترتّب على الحكومة وضع سياسة ضريبية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي مع رعاية الشرائح المتوسّطة والمتدنية، تكون تصاعدية ويجب وجود دراسات جدوى من بعد السياسة الضريبية على الصعيد السياحي والتجاري والصناعي…
7- يجب أن تقدّم الموازنة في الفترة الزمنية المحدّدة قانوناً، مع أننا معتادون على التأخير، ولكن لا يجب أن تكون مرادفاً للموازنات التي أقرّت سابقاً».
البنود التي يجب مراعاتها في موازنة العام 2025
وبدوره عدّد الأستاذ الجامعي المتخصّص بالشؤون المالية مروان القطب البنود التي يجب مراعاتها في موازنة العام 2025، فاعتبر خلال حديثه الى «نداء الوطن» أن موازنة 2024 التي أقرّت لم تحمل أي بند من بنود الإصلاح لا المالي ولا الضريبي وأيضاً لا يزال سعر الصرف الدولار إزاء الليرة غير محسوم.
فالأرقام التي تدرج في الموازنة استناداً الى القطب لا تعكس حقيقة الأوضاع المالية العامة للدولة اللبنانية، وبالتالي، يقتضي أن تكون أرقاماً فعلية تبيّن الإيرادات الفعلية التي من الممكن تحصيلها عند التقدير وأيضاً تبيّن الإلتزامات المترتّبة على الدولة والتي يجب أن نسدّدها بالموازنة التي يتمّ إعدادها. وسجّل القطب عدداً من الملاحظات وهي:
– موازنة 2024 حملت سلّة من الضرائب كانت تثقل كاهل المواطن سواء بالنسبة الى رسم الطابع المالي خصوصاً على بعض المعاملات التي هي على تماس مباشر مع المواطنين.
– نعيش اليوم أوضاعاً اقتصادية حرجة خصوصاً بعد حرب غزة والحرب القائمة في الجنوب، بالتالي هناك في الأسواق نوع من الجمود والكساد ولا مصلحة للدولة بفرض ضرائب لأنها لن تؤدي الى حصيلة وفيرة، وفي الوقت نفسه سيكون أثرها سلبياً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. لذا، يجب ألا يكون هناك تفكير في فرض ضرائب جديدة.
– زيادة الـTVA من 11% الى 15% ستكون كارثية على الاقتصاد اللبناني وستكون مضرّة لأن مستوى الاستهلاك الداخلي سيتأثّر وسيؤثّر على الإنتاج، فلا الاستهلاك كما يجب ولا الإنتاج يعيش أوضاعه الطبيعية والجيدة.
– يجب أن يكون هناك حسم بالنسبة الى توحيد سعر صرف الدولار في احتساب الضرائب وهنا أتكلّم على السياسة المالية. ما يرتّب على وزارة المالية احتساب سعر صرف واحد بالنسبة الى كلّ أنواع الضرائب، وبالنسبة الى الضرائب المحصّلة بالعملة الأجنبية أن تكون موحّدة، وفي ما خصّ الضرائب التي تتضمّن تقديراً للقيم لا يكون هناك تعدّد بأسعار الصرف.
– نفقات الرواتب والأجور، بالنسبة الى القطاع العام متعدّدة ومتنوّعة، فأساس الراتب وضعفا الراتب مساعدة وبدل إنتاجية بـ4 أضعاف، وبدل مثابرة وبدل بنزين، كل ذلك يعتبر تجزئة في الرواتب. فالرواتب وملحقاتها، يجب أن تكون موحّدة ويتمّ رصدها في الموازنة العامة وتقدير قيمتها بصورة فعلية ودقيقة لأنه يقتضي وجود سلسلة رتب ورواتب موحّدة للقطاع العام تضمّ كل تلك الزيادات. وبالتالي يجب على الموظّف أن يعود الى وضعه الطبيعي ودوامه الطبيعي ويخضع للأنظمة والقوانين. وفي حال تغيب تفرض عليه العقوبات التأديبية ولا يكون مرتبطاً بأمور عارضة وموقتة تشتّت القطاع العام فيرفض البعض الدوام بسبب عدم إدراج الزيادات على أساس الراتب. لا يجوز التعامل مع الموظفين بالقطعة وإنما يقتضي العودة الى الأوضاع الطبيعية، من خلال سلسلة للرتب موحّدة والعودة الى الأنظمة والقوانين العادية ويجب توحيد النفقات وإدراجها في البنود المتعلقة بها وأن تكون دقيقة وحاسمة.
– يقتضي الابتعاد عن التقديرات التقريبية لمساهمات الدولة التي تدفع الى المؤسسات العامة والاستناد الى الإنفاق للسنة السابقة والأشهر الحالية من هذه السنة، وبالتالي يكون تقدير المساهمات دقيقاً، لأن تلك المساهمات في بعض المؤسسات مبالغ فيها بشكل كبير.
التهرّب والتهريب والديون
– يجب وضع نظام للحدّ من التهرّب الضريبي، ما يطرح مسألة تطوير الإدارة الضريبية على طاولة البحث لأنها تشهد نقصاً كبيراً في عدد الموظفين ولا بدّ من تأمين التجهيزات اللازمة، لأن الإدارة الضريبية من خلال تفعيل التدقيق وتفعيل عملها الرقابي على المؤسسات تحدّ بصورة أساسية من التهرّب الضريبي.
بالنسبة الى الجمارك يجب أن تكون لدى الدولة خطّة واضحة للحدّ من المعابر غير الشرعية التي يتمّ من خلالها تهريب البضائع. وفي ما يتعلّق بالمنافذ الحدودية يجب تجهيزها بالمعدّات والتجهيزات للكشف على البضائع ومنع التهريب الكبير والمكلف بالنسبة الى الدولة اللبنانية.
– لا بدّ من خطة ترصد تحديد الديون واستحقاقاتها ووضع برنامج لكيفية دفعها، هذا الموضوع جزء أساسي من الخطّة الإصلاحية لأنه عند التزام الدولة بردّ هذه الأموال التي يعود جزء كبير منها للمصارف عندها ستبدأ الأخيرة بردّ الودائع للمواطنين. فرصد الديون يعتبر بداية لتسديد الخسائر المترتبة.
– إدراج المساعدات التي حصلنا عليها من قبل الإتّحاد الأوروبي، في الموازنة استناداً الى المادة 52 من قانون المحاسبة العمومية التي تنص على ضرورة إقرار المساعدات خصوصاً إذا كانت نقدية بمرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء، وأن تكون في باب الإيرادات وتحديد كيفية إنفاقها في باب النفقات. وكذلك الأمر بالنسبة الى المساعدات التي تحصل عليها الدولة اللبنانية والتي يخصّص جزء منها لقطاع الصحة وجزء منها للقطاع التربوي، يجب إدراجها في الموازنة بصورة أساسية ومعرفة كيف سيتمّ صرفها ودفعها.
– نفقات الرواتب والأجور في القطاع العام مشتّتة ومبعثرة وغير موحّدة، لا يوجد نفقات تشغيلية كافية لتشغيل الكهرباء والتجهيزات…
– يجب معرفة الموارد البشرية التي نحتاج اليها والفائض المتوفّر. ويجب أن تكون لدينا القدرة على صرف الفائض من الموظفين لأنهم عبء لا يساهمون في العمل الإنتاجي أو استخدامهم في قطاعات أخرى ضمن القطاع العام ليكونوا منتجين.
وأخيراً اعتبر القطب أن فرسان الموازنة أي إدراج مواد لا علاقة لها لا بالإصلاحات المالية والإقتصادية ولا بالموازنة، لا يجب إدراجها ضمن الموازنة. وتجنيب قانون موازنة 2025 المرتقب الخضوع للطعن أمام المجلس الدستوري والدخول في عملية إبطال قد تعيق وضع هذا القانون موضع التنفيذ.