أجرى مركز الدراسات اللبنانية (CLS) استطلاعه السنوي لتأثير الأزمة الاقتصادية الراهنة على قطاع التعليم في لبنان. وتبين ان الوضع في معظمه كما هو دون تغيير. فالتحديات التي عانى منها الطلاب والأهل والأساتذة في الأعوام الدراسية السابقة ما زالت قائمة، مما يعرّض قطاع التعليم في البلاد وفرص التعلم لمليون طالب لبناني وسوري للخطر. وجاء في الدراسة/الاستطلاع التي أعدها الباحث محمد حمود ما يلي:
التحديات الراهنة تؤثر على معيشة الأساتذة الذين يجدون أنفسهم في دوامة من عدم الأمان الاجتماعي. أكثر من 39 الف معلم/ة في المدارس الرسمية وأكثر من 50 الف معلم/ة في المدارس الخاصة ما زالوا في حيرة بين صرف رواتبهم الضئيلة على نفقات المعيشة الأساسية أو استخدامها لتغطية كلفة التنقل إلى المدارس. الأهل من ناحية أخرى، يواجهون معضلة من نوع آخر. فخلال السنوات الثلاث الماضية، اضطر العديد منهم لنقل أطفالهم من المدارس الخاصة إلى الرسمية لتجنب الارتفاع غير المنظم في الرسوم المدرسية، ليتفاجأوا بانقطاعات مستمرة في المدارس الرسمية وإضرابات متكررة نتيجة عدم الاستجابة لمطالب الأساتذة بذلك، أصبح التعليم الرسمي خياراً أقل جاذبية، ولكنه الخيار الوحيد المتاح من حيث القدرة على تحمل كلفته المادية. ووسط هذه التحديات المتزايدة، أعلن وزير التربية أن بدء العام الدراسي القادم سيعتمد فقط على توفر التمويل، مما أثار القلق بين طلاب المدارس الرسمية وعائلاتهم. حتى الساعة، لا توجد حلول فعلية او تعهدات بتوفير التمويل المطلوب لبداية العام الدراسي. 3 استطلاعات عبر الإنترنت
وقال المركز: خلال الأشهر الخمسة الماضية، أجرينا تقييما لجهوزية الطلاب والأهل والأساتذة للعام الدراسي القادم من خلال تسليط الضوء على تحدياتهم وتوفير الأدلة الإحصائية التي يمكن استخدامها في أي خطة محتملة للتعافي. أجرينا ثلاث استطلاعات عبر الإنترنت استهدفت ١٠٩٦ طالبا/ة، و ۳۳.۷ ولي/ة،أمر، و ١٢١٨ معلم/ة من المدارس الخاصة والرسمية الموزعة على جميع المحافظات الثمانية.
تكاليف الأساتذة المعيشية
أدى انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية إلى انخفاض القيمة الحقيقية لأجور الأساتذة بأكثـر مـن 90%. على الرغم من تلقي البعض تعويضات مالية، إلا أن رواتبهم لم تعد تكفي لتغطية تكاليف المعيشة الأساسية.
بحسب نتائج الاستبيان بلغ متوسط دخل الأستاذ الشهري لهذا العام 159 دولاراً مقارنة بـ 131 دولاراً في العام السابق (2021-2022)، مما يشير إلى عدم وجود تحسن ملحوظ في أجور الأساتذة مقارنة بالعام الماضي.
من ناحية أخرى، بلغ معدل قيمة المصاريف المنزلية الشهرية للأساتذة على الاتصالات، والكهرباء، والنقل والفواتير الطبية، والغذاء، 827 دولاراً، مع بعض التفاوت بحسب المحافظة والأسرة. والجدير بالذكر أن هذه الأرقام لا تتضمن تكلفة السكن، والتدفئة والتعليم، والاستهلاك الشخصي، مما يكشف أن المصاريف المنزلية الأسـاسية للأساتذة تتجاوز 500% من إجمالي دخلهم الشهري. وأدت الظروف الصعبة وغياب استراتيجية تعافٍ تلبي احتياجاتهم الأساسية إلى يأس العديد من الأساتذة. فوفقا للدراسة التي أجريناها العام الماضي، كان 73% من الأساتذة يخططون لمغادرة قطاع التعليم، مما يهدد استمرارية هذا القطاع ويعرض فرص تعليم أكثر من مليون طفل للخطر.
بالإضافة إلى ذلك، عندما سُئل الأساتذة عن الحد الأدنى للراتب الشهري الذي يضمن لهم حياة كريمة ومستدامة للعام الدراسي المقبل، كان المتوسط المقدر هـو 1203 دولارات. تباينت هذه القيمة بين المحافظات، مما يعكس الفوارق في تكلفة المعيشة بين المدن والأرياف. تبرز هذه النتائج الحاجة الملحة للاستجابة الى مطالب الأساتذة لضمان استمرارية العام الدراسي القادم دون انقطاع، والحد من تدفق المعلمين خارج قطاع التعليم.
تراكم الخسائر دون علاج
على مدى السنوات الأربع الماضية، واجه الأطفال في لبنان، وخصوصاً في المدارس الرسمية، خسائر تعليمية كبيرة قد تعرض مستقبلهم الأكاديمي للخطر في العام الحالي، وأشار ثلث الأهالي والأساتذة المشاركين في الدراسة أن الأزمة أثرت سلباً على نتائج التعليم لدى الأطفال. في تقييمنا لهذا العام، ركزنا على طلاب الصف التاسع والثاني عشر الذين اضطروا لإجراء امتحانات رسمية في ظروف أكاديمية واقتصادية غير مسبوقة. أظهرت نتائج استطلاعنا تدهوراً متزايداً في جودة التعليم المقدّم في المدارس الخاصة والرسمية على حد سواء. وكان ذلك واضحاً من خلال التقليل في عدد أيام الدراسة وساعات التدريس التي تلقاهـا الطلاب في المدارس الخاصة والرسمية مع تلقي الأخيرين عدداً أقل من أيام التعليم وساعات التعلم.
الفجوة بين العام والخاص
علاوة على ذلك، كان الفارق في الجودة بين المدارس الخاصة والرسمية واضحاً أيضـاً فـي النسبة المئوية لطلاب المدارس الخاصة (67%) الذين أفادوا بأن مدارسهم تمكنت من تغطية كل المواد لهذا العام مقارنة بـ 25% فقط فى المدارس الرسمية. بالإضافة إلى ذلك، أفاد 40% فقط من طلاب المدارس الرسمية بأن جودة التعليم كانت جيدة مقارنة بـ 73% في المدارس الخاصة.
كما أن التدهور فى الجودة والقدرة على الوصول الى التعليم، والفجوة بين المدارس الخاصة والرسمية تظهر في نسبة الطلاب الذين أفادوا بأداء أكاديمي جيد. على سبيل المثال، أفاد 65% من طلاب المدارس الخاصة بأداء أكاديمي جيد مقارنة بـ 34% فقط في المدارس الرسمية. وعلاوة على ذلك، أفاد 21% فقط من طلاب الصف الثاني عشر أن المهارات والمعرفة التي اكتسبوها على مدى السنوات الدراسية الثلاث الماضية كانت كافية لمتابعة مسارهم الأكاديمي.
تسلط النتائج المذكورة أعلاه الضوء على أهمية معالجة الخسائر التعليمية وتدهور جودة التعليم لما تشكله من خطر على تقدم الطلاب التعليمي. بالإضافة إلى ذلك، تكشف نتائجنا عن الفجوات الكبيرة بين المدارس الخاصة والرسمية والحاجة لإنقاذ قطاع التعليم الرسمي، الذي أصبح الملاذ الوحيد من حيث التكلفة لغالبية سكان لبنان.
إرتفاعات قياسية في الرسوم
في غياب الرقابة الحكومية اللازمة لتنظيم الرسوم المدرسية، يواجه الأهل ارتفاعات قياسية في الرسوم المدرسية للمدارس الخاصة التي في بعض الحالات، تجاوزت رسوم العام الماضي بأكثر من خمسة أضعاف. على سبيل المثال، أشار 60% من الأهالي إلى أن رسوم المدارس الخاصة ارتفعت بين 100 و 400% مقارنة بالعام الماضي، في حين أشار 23% الى ارتفاع تجاوز الـ 400%.
وفقًا لنتائجنا بلغ متوسط قسط المدرسة الخاصة والنقل السنوي للطفل الواحد 3620 دولاراً للعام الدراسي المقبل، مقارنة بـ 2355 دولاراً في العام الماضي. في مقابل هذا الإرتفاع، بلغ متوسط الدخل الشهري للأسرة لهذا العام 463 دولاراً فقط، وهو أعلـى بـدولار واحد فقـط مـن متوسط العام الماضي الذي بلغ 462 دولارا. هذا يعني أن تسجيل طفل واحد في مدرسة خاصة يتطلب ما يصل إلى 65% من دخل الأسرة السنوي. ولذلك، اضطر 74% من الأهالي إلى الاستدانة لتغطية تكلفة تعليم أطفالهم. وبالمثل، أفاد 82% من الأهالي بأنهم يواجهون صعوبة دائمة في دفع فواتير منازلهم، مما دفع 80% من الأهالي الى الاقتراض لتغطية هذه النفقات. علاوة على ذلك، كشفت نتائج الدراسة أن بعض الأهالي ينقلون أطفالهم من المدارس الرسمية إلى المدارس الخاصة، بينما أفاد آخرون بأنهم يفعلون العكس. ومع ذلك، كان الانتقال من المدارس الخاصة إلى الرسمية أكثر شيوعاً، بسبب التحديات المادية بشكل رئيسي على سبيل المثال، نقل 39% من الأهالي أطفالهم من المدارس الخاصة إلى المدارس الرسمية خلال السنوات الثلاث الماضية، وذلك بسبب عدم قدرتهم على دفع أقساط المدارس الخاصة، بحسب ما ادلى به 93% من المشاركين في الدراسة.
وعلى نقيض ذلك، أفاد فقط 20% من الأهل بأنهم قاموا بنقل أطفالهم من المدارس الرسمية إلى المدارس الخاصة خلال الثلاث سنوات الماضية. وكان السبب الأساسي وراء هذا النقل الإضرابات المستمرة في المدارس الرسمية، بحسب ما أفاد 73% من الأهل.
لم يقتصر تأثير الأزمة على تنقل الأطفال بين القطاعات فحسب. حيث ان نصف الأهالي المشاركين في استطلاعنا أشاروا الى أن الأزمة قد أثرت سلباً على الصحة النفسية لأطفالهم. في الوقت ذاته أشار ثلث المشاركين إلى أن الأزمة أثرت سلباً على أدائهم الدراسي، ما يتطابق مع نتائج استبيان الطلاب الذي أجريناه هذا العام. كما أفاد 12% من الأهالي بأن أطفالهم قد رسبوا في عامهم الدراسي، بينما أشار 5% منهم إلى أن أطفالهم توقفوا عن الدراسة بسبب الأزمة الحالية. وأخيراً، أشار 7% من الأهالي إلى أن أطفالهم اضطروا للانضمام إلى سوق العمل في سن مبكر بسبب الأزمة المستمرة. وفي ما يتعلق بأولئك الذين ما زال لديهم أطفال في المدرسة، فقد كان 22% فقط منهم واثقين من أن أطفالهم سيتمكنون من متابعة تعليمهم خلال الأزمة، بينما كان الـ 78% الباقون غـيـر واثقين من مستقبل أطفالهم التعليمي. وأخيراً، كشفت الدراسة أن 41% من الأهالي لديهم طفل واحد على الأقل دون سن الثامنة عشرة خارج المدرسة، وقد تبين أن أغلبية الطلاب الذين لا يذهبون للمدارس هم من الذكور (63%) مقارنة بالإناث (37%).
7 توصيات
يسلط استبيان مركز الدراسات اللبنانية الضوء على تأثير الأزمة المستمرة على قطاع التعليم في لبنان ويؤكد الحاجة الملحة لاتخاذ تدابير للحد من الأعباء المالية للتعلم والارتفاع المستمر في معدلات التسرب من المدرسة. وبالإضافة إلى ذلك، تشدد النتائج على الحاجة لإنقاذ قطاع التعليم الرسمي وضمان قدرته على استئناف خدماته التعليمية دون انقطاع، حيث أصبح الملاذ الوحيد لغالبية السكان لتحقيق هذه الأهداف، وقدم المركز التوصيات التالية:
1 – تعديل رواتب الأساتذة لتتناسب مع معدلات التضخم والارتفاع في تكلفة المعيشة.
2 – تعديل بدل نقل الأساتذة بنسبة تتناسب مع زيادة تكلفة النقل.
3 – دفع جميع الرواتب والحوافز المستحقة للأساتذة.
4 – وضع سقف لزيادة الأقساط في المدارس الخاصة والتأكد من انعكاس أي ارتفاع فـي الأقساط على رواتب الأساتذة.
5 – تقديم منح دراسية للأسر الأكثر فقراً لتغطية تكاليف الدراسة والتنقل.
6 – التعويض عن الخسائر التعليمية المتراكمة والتصدى لارتفاع معدلات التسرب.
7 – إصدار تقارير عن نفقات وزارة التربية ونتائج المشاريع التي تقوم بها بشفافية.
تتطلب التحديات التي تم الكشف عنها في هذه الدراسة تدخلاً ومعالجة فورية من المجتمـع المحلي والدولي. تكشف نتائج تقييمنا السنوي عن تدهور متزايد في الأوضاع المعيشية وعن اتساع الفجوة التعليمية بين قطاعات التعليم والطبقات الاجتماعية. كما تجدر الإشارة الى أنه لا يمكن تجاهل قطاع التعليم ضمن أي خطة أو محاولة للنهوض الاقتصادي والاجتماعي في لبنان.