لا دعم… لا بطاقة تمويلية

دعم المواد الغذائية انتهى، ودعم الدواء انتهى ودعم المحروقات انتهى. وفي المقابل، تُرك الناس لقدرهم يهيمون في تضخم غير مسبوق، جعل الأغلبية الساحقة تبحث فقط عن قوتها فلا تجده. تزامن ذلك مع وقوف الدولة على الحياد، من دون أن تقدّم أي بديل أو تسعى لإنتاج خطة طوارئ لحماية الطبقات المتضررة. وحتى لمّا أوحت للناس أنها تُعدّ برنامجاً لتعويض بعض الخسائر، أتى الحلّ باستبدال الدعم عبر بطاقة تمويلية وُلدت فكرتها منذ أكثر من عام، لكنها كما كل مشروع تنفذه السلطة، لم تتحول إلى حقيقة. على العكس، صار محسوماً أن الدعم سيُرفع تماماً قبل البدء بتنفيذ مشروع البطاقة، إذا نُفّذ. ولذلك، فإن المؤتمر الصحافي المشترك الذي يعقده وزيرا الشؤون الإجتماعية والإقتصاد رمزي المشرفية وراوول نعمة ورئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطية، لإطلاق البطاقة التمويلية وشرح الآلية المتبعة للتقديم والحصول عليها، لا يمكن وضعه إلا في الإطار الشعبوي، والإيحاء بأن البطاقة ستطلق فعلاً قبل رفع الدعم.

مصرف لبنان والحكومة يتفقان على أن الدعم بشكله الحالي «غير عادل وغير منصف كونه لا يميز بين الطبقة الغنية وبين الفقراء ومن هم أكثر حاجة، وهو يعود بالفائدة بشكل رئيسي على التجار، ويفتح المجال أمام تهريب السلع المدعومة وتخزينها واحتكارها…»

حالياً الواقع هو التالي: الدعم بحكم المنتهي، إلا لمن يضطر إلى الانتظار لساعات طويلة في طوابير المحروقات، وخلافات تقنية سياسية لا تزال تعيق إصدار البطاقة، والإعلان اليوم عن إطلاقها لن يغيّر هذا الواقع. علماً أنها حتى لو تحولت إلى حقيقة، فإن قيمة البطاقة نفسها تضاءلت؛ بحسب مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية، عند بدء الحديث عن البطاقة التمويلية كانت أسعار المواد الغذائية قد ارتفعت نحو 100 في المئة، فيما تجاوزت اليوم 700 في المئة، وهذا يقود سريعاً إلى الاستنتاج بأن البطاقة لم تعد تلبّي مستويات تضخّم الأسعار. تكفي الإشارة إلى أن سعر 5 أمبير من المولدات الخاصة وصل إلى ثلاثة ملايين ليرة في بعض المناطق، فيما متوسط قيمة البطاقة هو 93 دولاراً، أي نحو مليون و700 ألف ليرة على سعر اليوم. ما يعني أن البطاقة، التي لا تزال حتى اليوم الفرصة الوحيدة أمام ذوي الدخل المحدود والمتوسط لمواجهة بعض تداعيات الأزمة، صارت بلا قيمة فعلية.

الأسوأ أن المسألة لا تقتصر على تأخير عن نهاية الشهر، بل ترتبط بما هو أخطر. فالمنصة التي كان يفترض أن تطلق الأسبوع الماضي، وستُطلق اليوم شكلياً، لم يكن عدم إطلاقها مرتبطاً بتأخير تقني، بل إن اللجنة المعنية بالمعايير الخاصة بالبطاقة، لم تنهِ بعد نقاشاتها، رغم أن قانون البطاقة الذي نشر في الجريدة الرسمية في 22 تموز ينص على أن تعمد اللجنة الوزارية إلى وضع المعايير خلال أسبوعين. لكنها بعد خمسة أسابيع لم تحسم عدداً من النقاط الأساسية، التي لا يمكن للبطاقة أن تتحول إلى أمر واقع من دونها:
– لا قرار نهائياً بشأن عملة البطاقة، هل هي بالدولار أو بالليرة؟

– طريقة الدفع لم تحدد بعد، فاللجنة المعنية لا تزال تناقش أي الخيارات أفضل، هل يتم دفع المستحقات النقدية من خلال المصارف، بحيث يتم صرفها من خلال أجهزة الصراف الآلي، أو من خلال وكلاء تحويل الأموال، أو من خلال تطبيقات المحفظة (Wallet) على الهواتف الذكية (…zaky, pinpay)،

– رغم الاتفاق على «تكليف التفتيش المركزي إنشاء قاعدة بيانات وبرامج متخصصة في ضوء الأنظمة المتوافرة لديه (منصة Impact)، على أن تنشأ برامج مشابهة في وزارة الشؤون الاجتماعية التي هي المتلقي الطبيعي لقاعدة البيانات، على أن تحفظ هذه القاعدة في رئاسة مجلس الوزراء – وحدة البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً»، إلا أن ذلك لا يزال يلقى معارضة كبيرة داخل اللجنة، ربطاً بالخلاف على منصة «Impact»، التي يُشكك الأمن العام في أمانها وسبق أن أبلغ رئاسة الحكومة ورئاسة مجلس النواب بأنها مُستضافة على خوادم أجنبية بشكل مشبوه.

– لم يتم الاتفاق على الآلية التي يفترض اعتمادها لملء الاستمارة أكان لناحية مكان تقديم الطلبات أو لناحية تحديد الأسئلة والمعلومات المطلوبة من المتقدم بالطلب.

– جرى اقتراح تخفيف الحمل عن المواطنين عبر تسهيل طريقة التسجيل تماماً كما حصل عندما انطلقت مديرية الشؤون الاجتماعية في تحديد العائلات (35 ألف عائلة) التي يمكن لها الاستفادة من برنامج الأسر الأكثر فقراً، أي من خلال فتح باب التسجيل في مراكز الخدمات الإنمائية أو مراكز البلديات.

بالنتيجة، ووفقاً للمسار الانحداري لجلسات النقاش ومضمونها، كل الكلام عن بطاقة تمويلية لم يرق إلى حدّ الحديث عن «حبر على ورق». ولا شكّ أن العامل السياسي بات عنصراً أساسياً في إطلاقها ويوظف لخدمة مصالح الأحزاب، لا لخدمة الطبقات المهمشة التي تُركت لمواجهة رفع الدعم وجنون الأسعار وارتفاع سعر صرف الدولار من دون أي برنامج اجتماعي أو خطة حماية.

ما سبق يوصل إلى خلاصة واحدة: البطاقة التمويلية لن تصدر حتى لو أعلن عن بدء التسجيل. وفي حال المبالغة في التفاؤل إذا ما تم التوافق على كل التفاصيل والآليات، سيحتاج جمع الداتا والتأكد منها وبدء العمل بشكل فائق السرعة، إلى ما لا يقل عن ستة أشهر لإصدارها. في حين أن رفع الدعم بدأ أو ستظهر مفاعيله نهاية الشهر، فيما سبق رفع الدعم انهيار اقتصادي غير مسبوق تسبب بغلاء في الأسعار منذ نحو عام ونصف عام. ربما يراد للناس أن يصلوا إلى مراكز الاقتراع في أيار من العام المقبل، زحفاً.

مصدرجريدة الأخبار - رلى إبراهيم، إيلي الفرزلي
المادة السابقةغجر: نتعامل مع البنك الدولي لضمان دفع مستحقات الغاز الطبيعي المصري
المقالة القادمةاتفاق أردني ــــ مصري ــــ سوري ــــ لبناني على نقل الغاز المصري إلى لبنان