ملف “التعارض” في وجهات النظر إلى حدّ التناقض بين واشنطن والثلاثي الإماراتي – الأردني – المصري، المستعجل التطبيع مع سوريا، وقد بدأ فعلاً سلسلةً من الإجراءات العملية، يبدو أنه يتّجه إلى التصعيد ما لم يتمّ تداركه بسرعة، هو الذي بدأ بتصريح رئيس المخابرات الأردني، الذي جوبه سريعاً بموقف أميركي حازم، ثم جاءت زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، والتي رُفعت مع انتهائها، العاصمة الأميركية من نبرتها على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، تزامناً مع مواقف سعودية وقطرية مؤيدة للأميركيين، دون أن ينتهي الأمر مع حملة التسويق المدعّمة بصورٍ من مؤتمر رؤساء أجهزة المخابرات العربية المنعقد في القاهرة، ليتبيّن لاحقاً أن أي لقاء ثنائي بين الجانبين السوري والسعودي لم يحصل، وأن كلّ ما في الأمر، هو مجرّد سلام بروتوكولي بحكم أن مقعد كلٍّ من المسؤولين كان متجاوراً.
واضح ممّا تقدّم أن واشنطن، وبحسب مصادر ديبلوماسية، قرأت في خطوة الثلاثي العربي، خطراً على أمنها القومي وعلى مصالحها في سوريا، ما قد يستدعي رداً من قبلها يُرجّح أن تكون ساحته لبنان، أولاً من خلال التزام الحياد في مسألة الصراع السعودي ـ اللبناني، وهو تحصيلٌ حاصل حتى الساعة، حيث التعامل الأميركي هو بحدوده الدنيا، وثانياً عبر إجراءات مباشرة، تتخوّف المصادر أن تكون مرتبطة بموضوع استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، خصوصاً أن تقارير مخابراتية تحدثت عن إمكان حصول تلاعبٍ وصفقات من تحت الطاولة، تسمح لدمشق بتجاوز عقوبات قيصر عبر البوابة اللبنانية، الأمر الذي أثار عدداً من رجال الكونغرس الذين دعوا إلى إعادة النظر بالقرار الأميركي.
وفي هذا الإطار، تشير الدوائر المعنية، إلى أن القرار الأميركي بالمساعدة في مجال الطاقة، والذي أكّد عليه قبل أيام وزير الخارجية بلينكن، إنما لم يكن بحاجة إلى إصدار استثناءات جديدة للبنان في ما خصّ عقوبات قيصر، ذلك أنه يمكن لبيروت الإستفادة من الإستثناءات المُعطاة لكلٍّ من القاهرة وعمان بوصفهما الدولتين الأساسيتين واللتين سُمح لهما بتصدير الغاز والكهرباء الى سوريا بموجب إعفاءات خاصة، وما سيحصل اليوم هو رفع كلّ من الدولتين لحصّتيهما، ليستفيد لبنان، ومن هنا، تتمنّع واشنطن حتى الساعة عن تقديم أي ضمانات مكتوبة يطالب بها الطرف اللبناني .
عزّز كل ذلك، الإنطباع الذي نتج عن إلغاء السفيرة الأميركية دوروثي شيا، لموعدها لوزارة الطاقة أمس، حيث كان يفترض أن تحمل معها الضمانات الخطية المطلوبة، دون أن يُكشف عن سبب تأجيل الموعد إلى أجلٍ غير مسمّى للزيارة، علماً أن السفيرة كانت شاركت الأحد بماراتون بيروت بشكل عادي. فهل هو تأجيل لموعد أو إلغاء؟ هل تراجعت أميركا عن وعدها؟ أم هي “قرصة دينة” لكلٍّ من القاهرة وعمان؟ وهل يدفع لبنان من جديد ثمن شدّ الحبال الحاصل حول سوريا؟ وما هو دور إسرائيل في كل ذلك؟ ولماذا أوصلتنا واشنطن إلى “نُص البير وقطعت الحبل فينا”؟
هنا، وعند البحث في هذا الملف يجب التوقّف بتمعّن عند مسألة الغاز المصري ووصوله إلى لبنان، والمعنى الجيوستراتيجي لهذه الخطوة بعيداً عن “الهمروجة الشعبية” بكسر الحصار وإسقاط “قيصر”، والتي هي عملياً إعادة تفعيل ربط لبنان بشبكة الأنابيب التي تضمّ في جزءٍ منها إسرائيل، وبالتالي، سقوط مشكلة ربط لبنان بأحد خطي الغاز في المنطقة. فهل تسرّع تلك الخطوة من إتفاق ترسيم الحدود البحرية، والبدء باستخراج الغاز بإشراف وتسوية دولييتين، في حال حفظ حق إسرائيل بحقل “كاريش” كحاجة للأمن القومي الإسرائيلي؟
في كل الأحوال، فإن حدس وزير الطاقة وليد فياض، المتخوّف و”النِقزان” منذ البداية يبدو أنه قد صحّ، رغم التأكيدات بأن ما يجري، مسألة فشّ خلق لا أكثر ولا أقلّ، وأن العمل جارٍ على تسوية المسائل بين الأطراف الأساسية المعنية. تبقى نقطةٌ لافتة، هي زيارة مستشار أمن الطاقة الأميركي منذ شهر إلى بيروت، والتي حملت معها الكثير من علامات الإستفهام، في ظلّ تسريبات رافقتها عن دورٍ قد يلعبه وزير الطاقة، في عملية ترسيم الحدود ورئاسة الوفد إلى مفاوضاتها، حيث تؤكد المصادر أن الجانب الأميركي يومها أصرّ على أن لا يحمل اللقاء الطابع الرسمي، وأن لا يكون هناك محضر للجلسة، فكانت الدعوة على الغداء، حيث تركّز البحث حول ملف الكهرباء، ومدى جدية واشنطن في مسألة استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سوريا، في ظلّ تشكيك البعض في جدّية هذا الطرح، وهو ما بُحث أيضاً في عين التينة، بطبيعة الحال. يومها طُرح السؤال: هل أن الجانب الأميركي قد قرّر التساهل في هذا الملف دون أي شروط؟ الجواب بالتأكيد لا، حيث وضع الأوراق على الطاولة لم يحن وقته بعد، بحسب المصادر، التي دعت اللبنانيين إلى عدم “النوم على حرير”، في حال قرّروا الإستمرار في السير على نفس الطريق الحالي.