لا يوجد نهج واحد يناسب كلّ الدول

كتبت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا، مقالة في صحيفة “واشنطن بوست”، تحدّثت فيه عن سبل عودة نمط النمو إلى الاقتصاديات العالمية. واعتبرت أن الاقتصاد الأميركي يمثل نموذجاً يمكن الاقتداء به. وركّزت على أنه لا يوجد نهج واحد يناسب كل الدول.

مع التقلّبات التي شهدها الاقتصاد العالمي على مدى العقود الثلاثة الماضية، انخفضت توقعاتنا للنمو العالمي على مدى السنوات الخمس المقبلة إلى أدنى مستوياتها منذ أوائل تسعينات القرن العشرين، بمعدل سنوي متواضع بلغ نحو 3%. ويرجع ذلك إلى تباطؤ نمو الإنتاجية.

هذا الأمر يشكل مصدر قلق كبير. فالنمو يغذي الحياة الاقتصادية ــ فهو يمنح الناس وظائفهم ومداخيلهم، والمجتمعات حيويّتها، والحكومات قوّتها المالية. وفي عالم مترابط بشكل وثيق، قد يتحوّل النمو البطيء في مكان ما، وبسهولة إلى مشكلة في مكان آخر. ولا شك أن عكس هذا الاتجاه يصبح أكثر صعوبة.

يتطلّب هذا التحدي منا مضاعفة الجهود في مجال السياسات الاقتصادية التي نعلم أنها قادرة على تعزيز آفاق النمو بشكل دائم ــ وهو ما نعني به إمكانات النمو البنيوي، وليس الخطوات الموقتة لتحفيز الطلب المحلي. إن هذا يعني مضاعفة جهودنا في البحث عن أفكار سياسية جديدة واعدة تعمل على “جانب العرض”.

إن رأس الحربة في ريادة الأعمال قائمة في الاقتصاد الأميركي، حيث أدى تخصيص الموارد بكفاءة إلى تعزيز الإنتاجية بنسبة 0.8 نقطة مئوية سنوياً على مدى العقدين الماضيين. وكانت هناك عدة عوامل دافعة: المنافسة وحواجز قليلة نسبياً أمام دخول السوق؛ وأسواق رأس المال العميقة التي تساعد الشركات على الوصول إلى التمويل؛ وسوق العمل المرنة؛ وبطبيعة الحال، التبني الفعّال للتكنولوجيات الجديدة. باختصار، فإن الموهبة الأميركية في تحويل الاختراعات إلى أعمال تجارية جديدة قابلة للاستمرار والسماح لها بالنمو هي جوهر نجاح هذا البلد. وإذا كانت البلدان الأخرى قادرة على تضييق فجوة الإنتاجية الإجمالية مع الولايات المتحدة بنحو 15% فقط، فإن هذا وحده من شأنه أن يضيف 1.2 نقطة مئوية إلى النموّ العالميّ.

قد يكون من المغري للحكومات تعزيز النمو في الأمد القريب من خلال تحفيز الطلب عبر التحفيز المالي أو النقدي. ولكن المكاسب الناجمة عن مثل هذه السياسات غالباً ما تكون عابرة، في حين أن الاختلالات تعيد إشعال فتيل التضخم أو تغذي فائض الأسواق المالية. إن صناع السياسات، بدلاً من مجرد إعطاء الاقتصاد المزيد من الوقود، يحتاجون إلى تحسين محرّكه للوصول إلى سرعة أعلى. وهذا يتطلب إصلاحات تحويلية لرفع الإنتاجية. في العديد من البلدان، لا تتدفق الموارد – بما في ذلك العمال ورأس المال – ببساطة إلى الشركات الأكثر ديناميكية، ما يؤدي إلى انخفاض متوسط ​​نمو الإنتاجية العالمية بنحو 0.6 نقطة مئوية سنوياً. وهذا يتطلّب تحسينات في بيئة الأعمال.

لا يوجد نهج واحد يناسب الجميع: يجب على بعض البلدان دفع الحدود التكنولوجية؛ ويجب على بلدان أخرى التركيز على تبنّي التكنولوجيات القائمة والتعلم من الأمثلة الجيدة. تقدّم جهود الهند لفتح اقتصادها منذ تسعينات القرن العشرين درساً عظيماً، إذ دعمت الإصلاحات عقوداً من النمو الأقوى بكثير ما انتشل الملايين من براثن الفقر. وتروي لنا عملية الانتقال من التخطيط إلى الأسواق في أوروبا الناشئة بعد عام 1990 قصة مماثلة. فقد تبنّت فيتنام أيضاً إصلاحات موجهة نحو السوق، وحوّلت نفسها إلى واحدة من أسرع الدول نمواً في آسيا. وفي السنوات الأخيرة، أرست جامايكا الأسس اللازمة للنمو المستدام الغني بالوظائف من خلال تحسين أطر السياسات، وخفض الدين العام، وتبني الإصلاحات الرامية إلى تعزيز قدرتها على الصمود الاقتصادي. ويتابع العالم بترقّب الأرجنتين، حيث تعمل الإصلاحات المؤيّدة للسوق على تنشيط الاقتصاد بطرق كان يُعتقد في السابق أنها مستحيلة.

مصدرالشرق الأوسط
المادة السابقةمبيعات “الريجي” زادت 7% وإيراداتها 14%
المقالة القادمةاستقرار «وول ستريت» غداة عاصفة «ديب سيك»