خلال سنوات الحرب الأهلية، اعتادت عبلة باروتا الاحتماء وعائلتها من القذائف كلما اشتدت المعارك، لكنها اليوم، وفي خضم أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها لبنان، تقول إنها لا تعرف كيف تحمي نفسها من الجوع والفقر ومن فساد الزعماء.
وتوضح عبلة (58 عاماً)، ربة المنزل التي تعافت خلال الأشهر الماضية من إصابة بالغة جراء انفجار مرفأ بيروت القريب من منزلها، لوكالة فرانس برس، “أثناء الحرب، حين كنا نسمع القصف، كنا نختبئ في المنزل أو الملاجئ. لكن اليوم كيف نختبئ من الجوع؟ من الوضع الاقتصادي؟ من كورونا؟ من زعمائنا؟”.
ورغم فصول مرعبة من العنف والخطف والاغتيالات والقصف، كانت وتيرة الحياة تستأنف عادية كلما سكتت المدافع. ولم تتوقف العجلة الاقتصادية، بينما كانت الجهات المتصارعة تتلقى دعماً وفيراً بالمال والسلاح من الخارج.
وجاء الانهيار الاقتصادي الأخير ليشكل أسوأ أزمات لبنان ونتج عن سنوات من الإهمال وسوء الإدارة والأزمات السياسية المتتالية. وبات معه أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة.
في منزلها الذي أعيد ترميم ما تضرر منه بفعل انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/ آب، والواقع في الطبقة الأولى من مبنى قديم في محلة مار مخايل المتاخمة للمرفأ، تقول عبلة “رغم بشاعة الحرب، كنا مرتاحين. لم نعش مثل هذه الأزمة الاقتصادية والقلق. ماذا سنأكل غداً وماذا سنفعل؟ لا شيء من ذلك كله.. كانت حاجاتنا مؤمنة”. وتضيف الأم لثلاثة أولاد، “أحياناً، لا أقوى على النوم خلال الليل” جراء القلق.
في محلة الكرنتينا الملاصقة للمرفأ، يروي جان صليبا (63 عاماً)، مختار المنطقة سابقاً، لفرانس برس، قصص عائلات تدمرت منازلها أو تضررت، أو فقدت أفراداً جراء انفجار بيروت.
ويقول الرجل بينما يرد على تحيات من المارة في الشارع، “لم نر الدولة” منذ الانفجار، “ولولا المساعدات المادية والغذائية من الجمعيات، لما كان الناس يقوون على الاستمرار”.
على بعد كيلومترات عدة في غرب بيروت، يواظب فيكتور أبو خير (77 عاماً) منذ عام 1965 على فتح صالونه للحلاقة، رغم أنه منذ أشهر “تمر أيام يحضر فيها زبون أو بالكاد اثنان”.
وتفرض المصارف منذ عام 2019 قيوداً مشددة جعلت المودعين عاجزين عن التصرّف بأموالهم خصوصاً بالدولار، بينما فقدت الودائع بالليرة قيمتها.