لبنان أهدر أكثر من 2600 كلم2 لحساب الجزيرة: عدِّلوا المرسوم 6433 وافرضـوا التفاوض على قبرص!

يبدو أن حقيقة مؤلمة تغيب عن ذهن معظم اللبنانيين، ولا سيّما المسؤولين الرسميين، تتمثّل في أن الوفد اللبناني المفاوض على ترسيم الحدود الجنوبية حمل إلى طاولة المفاوضات في الناقورة خريطة لا قيمة دستورية لها. فهذه الخريطة، وإنْ كانت بإحداثيات مختلفة عن النقطة 23 التي سبق أن حددتها لجنة شكّلها مجلس الوزراء في عام 2008 وأنهت أعمالها في 2009، وإنْ كانت أيضاً متقدمة نسبياً على سابقتها من عام 2009، إلّا أنها لم تُمهر بتوقيع أي مؤسسة دستورية، لكونها غير صادرة بمرسوم عن مجلس الوزراء، ولا تحمل توقيع رئيس الجمهورية، فضلاً عن أنها لم تنل، على ما يبدو، تأييد الكتل النيابية في مجلس النواب. هذه الخريطة التي حملها الوفد، بناءً على توجيه من رئاسة الجمهورية، تنطلق من مقاربة جديدة للنقطة الأساس من الشاطئ اللبناني المسماة B1، وتفرض تعاملاً مختلفاً مع النتوء الصخري المسمى «تيخيليت». لكن بالطبع كان بإمكان الوفد اللبناني تأبّط خرائط أخرى تزيد من المساحة التي يقدّرها لبنان ذاتياً لتكون منطقته الاقتصادية الخالصة.

لمدهش أيضاً، هو ادعاء آخرين بأنه ليس من داع لوجود مرسوم يحدد منطقة اقتصادية خالصة للبنان، إذ يغيب عن بال هؤلاء أن مجلس الوزراء أصدر عام 2011 المرسوم الرقم 6433 الذي يحدد المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، جاعلاً النقطة 23 نقطة ثلاثية البعد مع قبرص وفلسطين المحتلة. لذلك، فإن القول بألّا داعي لإصدار مرسوم جديد، يُردّ عليه بأن لدى لبنان حقيقةً مرسوماً يرسّم حدوده بافتئات على حقوقه الأصيلة. ا

لم يعد جائزاً بقاء المرسوم 6433/2011 كمادة يعتمد عليها لبنان في مفاوضاته، بل حتى في غير حالة التفاوض. فالحاجة إلى التعديل قائمة بذاتها، غير مرتبطة بأي أمر آخر، لتحصين موقع لبنان وتدعيمه. وبعد انسداد أفق المفاوضات، قد يُدفع بلبنان إلى خيارين، إما أن يقبل بتقاسم المنطقة الاقتصادية الخالصة مع العدوّ المفاوض، وهذا تنازل خياني وغير مقبول عن الحقوق الوطنية و الثروات، وإما بأن يستمر في التفاوض غير المجدي والخطر مع العدو الإسرائيلي، مع خوف ينشأ من أن يعمد حليفه، الوسيط الأميركي، إلى ممارسة ضغوط لإرغام اللبنانيين على التنازل.

لماذا التفاوض مع قبرص؟
أولاً، لأن التفاوض مع العدوّ الإسرائيلي غير مجد، وذو خطورة لواقع أنه قد يستخدم عصا حليفه الأميركي لدفع لبنان نحو التنازل عن جزء من 865 كلم2 المصنّفة «متنازعاً عليها». ثانياً، لأن المشكلة بدأت في أصلها باتفاقية تحديد الحدود مع قبرص، حين قبل لبنان التراجع إلى حدود النقطة الرقم 1. وبالتالي، ليصحح لبنان هذا الخطأ، عليه أن يتفاوض مجدداً مع الجانب القبرصي لتحديد حدود جديدة، وخاصة أن الاتفاقية لم تبرم، إذ لم تحل إلى المجلس النيابي ليقرّها، فمن حق لبنان إذاً أن يطلب إعادة التفاوض حولها. ثالثاً، قبرص دولة منتسبة إلى الاتفاقية الدولية لقانون البحار كما لبنان، وبالتالي، فإن ما ينطبق على لبنان ويلزمه ينطبق عليها ويلزمها أيضاً،

مصدرجريدة الأخبار - محمد علي فقيه
المادة السابقةالأساتذة المتعاقدون بالساعة في الجامعة اللبنانية يطالبون المجذوب بإنجاز ملف التفرغ
المقالة القادمةمع بداية الأسبوع.. ثبات في سعر الدولار لدى الصرّافين