لبنان “البريكس” ليس حلاً.. (2/2)

على الرغم من الفوائد المحتملة للشراكة مع بريكس، تواجه هذه المسارات عدداً من التحدّيات التي تستوجب دراسة معمّقة. من التحديات المالية إلى القيود السياسية، يجد لبنان نفسه أمام خيارات استراتيجية تتطلّب حذراً وتخطيطاً متّزناً.

في حين أنّ شراكة بريكس يمكن أن تحقّق فوائد كبيرة للبنان، إلا أنّ هذه المزايا تأتي مع تحدّيات يجب إدارتها بعناية لضمان مكاسب اقتصادية مستدامة. وبالنسبة للبنان، فإنّ التوافق مع مجموعة بريكس يقدّم أكثر من الدعم المالي، فهو يفتح الأبواب أمام شراكات متنوّعة ومنصّة لمزيد من الاستقلال الجيوسياسي. وبينما يدرس لبنان خياراته، فإنّ اتّباع نهج جيّد التخطيط يدمج مبادرات بريكس والأطر الغربية القائمة يمكن أن يوفّر المسار الأكثر توازناً للاستقرار على المدى الطويل. إنّ شراكة بريكس، عندما تدار استراتيجياً، لا يمكن أن تخفّف من التحدّيات المالية المباشرة في لبنان فحسب، بل تضع الأمّة أيضاً كلاعب مرن في اقتصاد عالمي متعدّد الأقطاب.

التّحدّيات الحرجة للتّحرّك نحو بريكس

في حين تقدّم مجموعة بريكس بديلاً للأنظمة المالية التي يقودها الغرب والتي يمكن أن تتماشى مع رغبة لبنان في السيادة الاقتصادية، فإنّ الانتقال إلى هذه الكتلة يطرح العديد من التحدّيات الهائلة. إنّ الديناميكيّات الفريدة داخل مجموعة بريكس، إلى جانب اعتماد لبنان على الهياكل المالية الغربية، تُدخل تعقيدات قد تعيق التكامل السلس. من النفوذ الاقتصادي المحدود للبنان داخل مجموعة بريكس إلى الانقسامات الداخلية للكتلة واعتمادها على الأسواق الغربية، تؤكّد هذه العقبات الصعوبات المحتملة التي قد يواجهها لبنان في الابتعاد عن تحالفه الاقتصادي الحالي. إنّ فهم هذه التحدّيات أمر بالغ الأهمّية لتقويم ما إذا كان التحوّل نحو بريكس سيدعم حقّاً تعافي لبنان أو يخلق عقبات إضافية.

التّبعيّة الماليّة والضّعف الهيكليّ: في حين تعمل مجموعة بريكس على تعزيز الاستقلال المالي، فإنّ تنوّعها الداخلي يعقّد الاتّجاه السياسي الموحّد. يعتمد الاقتصاد اللبناني بشكل كبير على التحويلات المالية والواردات ونظام مصرفي يعتمد على الشبكات المالية الغربية. وقد يؤدّي التحوّل إلى بريكس إلى إجهاد الهياكل المالية القائمة في لبنان، التي هي أكثر تكاملاً مع الأنظمة الغربية من تلك الخاصّة بأعضاء بريكس. بالإضافة إلى ذلك، في حين تشجّع بريكس التجارة بالعملات المحلّية، تفتقر الليرة اللبنانية إلى القبول الدولي، وهو ما قد يحدّ من قدرة لبنان على التجارة بشكل مستقلّ في إطار بريكس.

المساعدات الاقتصاديّة والمشروطيّة: على الرغم من أنّ بريكس تدعو إلى شروط على المساعدات المالية أقلّ من تلك التي يضعها صندوق النقد الدولي، إلا أنّ بنك التنمية الجديد التابع لها وغيره من الأذرع المالية لا تزال تعمل وفقاً لمعايير ومتطلّبات خاصة بالمشاريع قد لا تتماشى مع احتياجات لبنان الفورية. وعلى عكس صندوق النقد الدولي، الذي يقدّم برامج إنعاش اقتصادي منظّمة، يميل دعم بريكس إلى أن يكون أكثر انتقائية، مع التركيز على مشاريع البنية التحتية التي تفيد المصالح الجماعية للكتلة. وهذا قد يحدّ من نطاق المساعدة التي يمكن أن يتلقّاها لبنان من دول بريكس.

المصالح الاقتصاديّة المتباينة والنّفوذ الإقليميّ: قد لا تتوافق احتياجات لبنان الاقتصادية مع أجندة بريكس الأوسع. إنّ تركيز الكتلة على الاقتصادات الغنيّة بالموارد مثل روسيا والصين والبرازيل أكثر انسجاماً مع الدول ذات الموارد الطبيعية الكبيرة أو الأصول الجيوسياسية الاستراتيجية. وقد يجد لبنان، الذي يفتقر إلى هذه الموارد، صعوبة في إيجاد دعم كبير لحزمة إنعاش شاملة من شأنها معالجة أزمة الديون والبطالة وعدم استقرار العملة.

التّشرذم السّياسيّ الدّاخليّ داخل دول بريكس: في حين تمثّل بريكس جبهة موحّدة، فإنّ المنافسات الجيوسياسية الداخلية (على سبيل المثال، بين الصين والهند) يمكن أن تحدّ من تماسكها. وبالتالي اصطفاف لبنان مع بريكس يمكن أن يعرّضه للديناميكيات الداخلية المتغيّرة داخل الكتلة، وهو ما يقوّض انتعاشه الاقتصادي إذا أصبح لبنان خاضعاً للأولويات المتباينة لقوى بريكس الكبرى.

تعقيد التّكامل الاقتصاديّ: إنّ اندماج لبنان الحالي مع النظام المالي الغربي عميق الجذور، والانتقال إلى اقتصاد منحاز إلى مجموعة بريكس يتطلّب تعديلات كبيرة في سياسات التجارة والتمويل والعملة. وعلى الرغم من طموح مبادرات مجموعة بريكس إلى التخلّص من الدولرة، لم تثبت بعد مكانتها بالكامل كبدائل قابلة للتطبيق، وخاصة بالنسبة للاقتصادات الأصغر حجماً مثل لبنان، التي سوف تتطلّب مساعدة اقتصادية فوريّة وموثوقة.

في نهاية المطاف، تؤكّد تحدّيات التوافق مع بريكس على الحاجة إلى نهج حذر واستراتيجي. لن يعتمد التعافي الاقتصادي في لبنان على إيجاد الدعم المالي فحسب، بل وعلى التوافق مع الشركاء الذين تمّ تجهيز أنظمتهم ومواردهم لتلبية الهيكل الاقتصادي الفريد للبنان واحتياجاته الفورية. إنّ التحرّك نحو مجموعة بريكس يمكن أن يمنح لبنان قدراً أكبر من الحكم الذاتي، لكنّه يخاطر بخلق تبعيّات قد تكون مقيّدة مثل تلك التي يواجهها مع المؤسّسات الغربية. وسيكون من الضروري إجراء تقويم واضح لهذه العقبات إذا أراد لبنان أن يوازن بين تطلّعاته إلى السيادة والجوانب العملية للإصلاح الاقتصادي المستدام.

يتوقّف قرار لبنان في نهاية المطاف على ما إذا كانت فوائد السيادة وتخفيض المشروطية مع مجموعة بريكس تفوق المساعدات المنظّمة، وإن كانت مشروطة، التي يقدّمها صندوق النقد الدولي. يوفّر صندوق النقد الدولي مساراً أوضح لإعادة هيكلة الديون، والدعم الدولي، والإصلاحات النظامية التي، إذا تمّ تنفيذها، يمكن أن تضع لبنان في وضع يسمح له بالاستقرار على المدى الطويل. وعلى العكس من ذلك، فإنّ محور بريكس قد يوفّر للبنان توافقاً جيوسياسياً أكبر وسيادة اقتصادية، لكنّه يخاطر بدعم محدود ومشروط قد لا يعالج الأزمة الاقتصادية المعقّدة في البلاد بشكل كامل.

علاوة على ذلك، في حين تتماشى رؤية بريكس مع التعدّدية القطبية، فإنّ هيكلها الاقتصادي وتركيزها على الاقتصادات الناشئة الأكبر قد يمنعها من تلبية الاحتياجات الاقتصادية الفورية للبنان، مثل احتياطيات العملات الأجنبية، واستقرار القطاع المصرفي، وإدارة الدين العامّ. من ناحية أخرى، يستهدف النهج المنظّم لصندوق النقد الدولي نقاط الضعف الاقتصادية الأساسية في لبنان، على الرغم من أنّه يتطلّب من النخبة السياسية في لبنان مواجهة الفساد النظامي وسوء الإدارة.

البراغماتيّة الاستراتيجيّة على الاصطفاف الأيديولوجيّ

يجب أن يأخذ الخيار الاستراتيجي للبنان في الاعتبار الآثار الفورية والطويلة الأجل للتوافق. تقدّم كتلة بريكس سرديّة جذّابة للسيادة والتعدّدية القطبية، لكن من المرجّح أن يركّز دعمها على مشاريع محدّدة بدلاً من إعادة الهيكلة الاقتصادية الشاملة. ونظراً لحاجة لبنان الماسّة إلى الاستقرار المالي، يظلّ الدعم المنظّم الذي يقدّمه صندوق النقد الدولي خياراً أكثر براغماتية، شريطة أن يتمكّن لبنان من المشاركة في الإصلاحات الضرورية وتدابير المساءلة.

إقرأ أيضاً: لبنان بين “وصاية” صندوق النّقد وتسهيلات “البريكس” (1/2)

مع ذلك، يمكن أن يستفيد لبنان من تعزيز العلاقات الموازية مع دول بريكس لتنويع شراكاته الاقتصادية وتقليل الاعتماد المفرط على المؤسّسات الغربية. إنّ اتّباع نهج يستفيد من دعم صندوق النقد الدولي للتعافي الفوري مع الاندماج التدريجي في مبادرات بريكس المتعدّدة الأقطاب قد يسمحان للبنان بالاستفادة من كلا الإطارين. يمكن لهذه الاستراتيجية المزدوجة أن تحقّق الاستقرار في الاقتصاد اللبناني على المدى القصير مع وضعه في وضع يسمح له بنموّ أكثر استقلالية في المستقبل.

في الجوهر، في حين تقدّم بريكس بديلاً أيديولوجياً واستراتيجياً لصندوق النقد الدولي، فإنّ الواقع الاقتصادي الحالي في لبنان واحتياجات التعافي تشير إلى أنّ النهج الذي يقوده صندوق النقد الدولي، والذي يكمله تعاون انتقائي مع دول بريكس، يوفّر مساراً متوازناً للمضيّ قدماً. ومن شأن هذا التوافق العملي أن يسمح للبنان بتسخير الإصلاح الاقتصادي المنظّم الذي يقدّمه صندوق النقد الدولي بالتوازي مع استكشاف بريكس شريكاً مستقبلياً في مشهد ماليّ متنوّع ومتعدّد الأقطاب.

مصدرأساس ميديا - محمد فحيلي
المادة السابقةنازحون بلا عمل: وضعٌ يصعب تحمله… فهل يتحرك المعنيون؟
المقالة القادمةارتفاع الأسهم العالمية بفضل فوز ترمب وآمال التحفيز الاقتصادي