لبنان بلد من دون إرادة ولا إدارة

أصبح لبنان بلداً من دون إرادة ومن دون إدارة، ومتروك لقدره الغامض، في ظل هذه الأزمة المعتمدة. لقد برهنَ السياسيون، خصوصاً في السنوات الثلاث ونصف السنة الأخيرة، أنهم ليس لديهم أي نيّة حقيقية وجدّية للإصلاح وإعادة الهيكلة وإعادة بناء الإقتصاد، أو حتى النهوض والإنماء. لا بل برهنوا بوضوح أن الوضع المأساوي الراهن يُمكن حتى أن يُناسبهم، وهناك مصالح عدة مختبئة في هذا الشأن.

بينما يتبارون على شاشات التلفزة والمنابر، ويتباكون على الإنهيار الحاصل ويُطلقون شعارات طنّانة وشعبوية، في الوقت عينه، ومن وراء الستار، نَراهم يعملون ليلاً ونهاراً لاستكمال الحفر في الخندق العميق المظلم عينه. لا بد أن هناك مصالح وأغراض ومكاسب عدّة، وقطَب مخفية لهذا الإنهيار المبرمج والممنهج.

لقد برهن السياسيون بوضوح، من خلال هذه السنوات المأسوية وفي ظل أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية في تاريخ العالم، أن لا نيّة لتنفيذ إصلاح واحد، أو أيّ قرار أو تدبير لوقف النزف والإنهيار الكارثي. لا شك في أن هناك مصالح عدّة لمتابعة التدمير الذاتي، واستفادات عدة جرّاء تدمير ما تبقّى من مؤسسات الدولة، أو حتى المؤسسات الخاصة.

إنه واضح كالنور، أنه حينما تتراكَم الخسائر لجزء من الشعب المذلول والمنهوب، هناك أرباح ضخمة، تتراكم من الجهة الأخرى. فالواضح أيضاً أن لا نية ولا إرادة لأي إصلاح، ولأي إعادة أموال للمودعين، ولأي اتفاق جدي مع صندوق النقد، ولأي إعادة هيكلة للقطاع المصرفي، ولا لوقف التهريب وتبييض الأموال، ولا نيّة لاحترام الدستور وبناء دولة المؤسسات، لا بل هناك مصالح مباشرة وغير مباشرة في كل هذه المزاريب، التي تحقق أرباحاً فادحة للمستفيدين، في مقابل خسائر ومتابعة التدمير للوطن والشعب.

نذكّر بألم، انه عندما كانت ثمّة إدارة موجودة، لكنها وهمية، كانت النيّة، بتوزيع المشاريع والحصص والمكاسب والمناصب، أما اليوم في ظل غياب كل أركان الإدارة، أصبحت النية تكمن في توزيع الفساد، وتوزيع إدارة المافيات، وتوزيع مكاسب الحرب الباردة الإقتصادية.

أصبح لبنان بلداً ليس فقط من دون إرادة، لكن خصوصاً من دون إدارة. أصبح بلداً معطّلاً في كل مؤسساته، تحت سيطرة المافيات المنظّمة، حيث يُدار بحسب الرشاوى والفساد والزبائنية.

أصبح اقتصاد لبنان يُدار عبر أياد سود، ومبني على سوقه المظلمة، حيث المستفيدون هم «الأغنياء الجدد» ورواد الفساد والتهريب والتبييض والترويج، أما الضحية فهو الإقتصاد الأبيض، وجزء كبير من الشعب المظلوم والمنكوب والمنهوب.

لا نيّة للإصلاح ولا نية للإدارة، ولا نية لإعادة بناء القانون والمؤسسات، في ظل هذه الأرباح السهلة والمضخّمة والسريعة، وفي ظل مصالح مشتركة، مع إرادة لمتابعة الإنهيار، ولتدمير ما تبقى من الإدارة.

في المحصّلة، إن الحل الوحيد في هذه الرؤية المظلمة، هو في تسليم مؤسسات الدولة الأساسية، مثل الميكانيك، والدوائر العقارية، والمالية، والحدود البرية والبحرية والجوية، لبعض الجهات الأمنية، التي برهنت أنها تتمتع بإرادة صلبة لحماية البلد، وبرهنت أنها إدارة رشيدة وحوكمة شفافة، في تنظيم مؤسساتها والحفاظ عليها. إن وقف الهدر والفساد والزبائنية لا يستطيع أن يكون من الخارج، لكن من الداخل. فلنبذل جهدنا مع ما لدينا.

مصدرالجمهورية - د. فؤاد زمكحل
المادة السابقةعمولات المصارف “الفاحشة” تمهّد لمعركة ضارية مع منصوري
المقالة القادمةهل يتأثّر دولار السوق السوداء بـ”طوفان الأقصى”؟