لا تُخْفي أوساطٌ سياسية قَلَقها بإزاء المرحلة التي يمرّ بها لبنان في ضوء انهماكه بمحاولة تفكيك “اللغم” المالي الذي يُخشى أن “ينفجر” بالوضع الداخلي، فيما تشتدّ من حوله المواجهة بين الولايات المتحدة وطهران وأذرعها والتي دخلت مرحلةً جديدة مع إطلاق واشنطن مسار تصفير تصدير النفط الإيراني بالتوازي مع تضييق الخناق على “حزب الله” في إطار قرار تجفيف منابع تمويله.
وفي هذا السياق ورغم اختيار إيران حتى الساعة سياسة “تَجرُّع” النقْلات الأميركية النوعية على “رقعة شطرنج” المواجهة المفتوحة معها، إلا أن هذه الأوساط تُبدي خشيةً حقيقيةً من إمكان جرّ لبنان إلى “فوهة” هذه المواجهة، عبر واحد من احتماليْن: إما مباشرةً عبر “الهروب الى الأمام” وتحريك الجبهة مع اسرائيل بما يباغِت الذين ينتظرون على ضفة النهر “جثة” محور الممانعة و”حزب الله” وتالياً فتْح الباب أمام الجلوس على الطاولةِ للتفاوُض حول «الأوراق» التي تملكها إيران قبل أن تكتمل مفاعيل “الخنْق بالعقوبات”، واما بحال اختارتْ طهران الردّ “غير التقليدي” على “حرب النفط” وفي ساحاتٍ غير مألوفة في المنطقة بما يجعل أي ارتباط لـ “حزب الله” بمثل هذا الردّ بمثابة “رصاصة الرحمة” على ما تبقّى من شعار “النأي بالنفس” الذي يحْفظ “شعرة معاوية” للبنان مع المجتمعيْن العربي والدولي.
ومن حين استغربت الأوساطُ نفسُها ملامحَ انزلاقِ المناقشاتِ الداخلية حيال موازنة 2019 والإجراءات “القيصرية” لخفْض العجز الى دائرةِ الاستقطاب السياسي، كان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يُطَمْئِن رداً على ما قيل عن إفلاس وشيك الى “أنه منذ 3 سنوات نسمع هذه الاشاعات والاقتصاد اللبناني لا يزال صامداً والثقة موجودة”، معلناً “المعطيات الموجودة في لبنان لا تؤشر الى الإفلاس وهذا يمكن أن أؤكده أكان من ناحية موجودات مصرف لبنان أو موجودات القطاع المصرفي”، لم تخْرج البلاد “من تأثير” انتقاد الرئيس ميشال عون “التباطؤ” في وضْع الموازنة على طاولة الحكومة في موقفٍ فُسِّر على أنه “متعدد الرسالة” ويصيب رئيس الحكومة سعد الحريري كما وزير المال علي حسن خليل (من فريق رئيس البرلمان نبيه بري).
وإذ اختارَ الحريري احتواءَ الموقفِ عبر تكْرار “أن سبَبَ التأخير في اقرار الموازنة هو من أجل ان نستطيع التوافق جميعاً على الأرقام والتخفيضات التي نريد تنفيذها”، مكتفياً بالقول رداً على سؤال عن كلام عون واذا كان يقصده به “لا أريد الرّد، أفهم أن كلا من الاحزاب السياسية يريد ان يزيد رصيده ولكن بالنسبة اليّ هي النتيجة، وان يقّر مجلس الوزراء موازنة فيها اصلاح كبير جداً وأن نتشارك جميعاً في هذا الموضوع”، كان لافتاً أمس الكشف عن جلسة لمجلس الوزراء يوم غد لا يتضمّن جدول أعمالها مشروع الموازنة إلا إذا أدرِج بملحق، بعدما كان وزير المال أعلن أنه رَفَعَ الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء الصيغة الجديدة المعدلة لمشروع الموازنة مع الإجراءات التخفيضية.
وبينما فُسِّرت خطوة خليل على أنّها بمثابة “انسحابٍ” من السجال حول التباطؤ في عرْض الموازنة على الحكومة، كانت أجواء الحريري حتى الظهر تشير الى أنه ما زال ينتظر الأجوبة من بعض الأطراف حول مقترحاتٍ سبق أن جرى طرْحها من ضمن خيارات خفض العجز، وسط حرْص على نفي تقارير كانت نسبتْ إليه جملة اقتراحاتٍ قاسية من ضمن ورقة حول السياسات والاجراءات الواجب اعتمادها لمعالجة عجز المالية العامة وتعزيز الايرادات.
وكان وزير الدفاع الياس بو صعب وفي مؤتمرٍ صحافي أكد فيه رَفْضَ “محاولة تصوير أن المشكلة الاقتصادية هي من مسؤولية الجيش اللبناني أو بسبب موازنته”، ظهّر أن ليس هناك توافقاً على مسألة تجميد ما بين 10 أو 15 في المئة من رواتب القطاع العام لثلاث سنوات، وموضحاً أن هذا الطرح وحتى لو صار على الطاولة فهو لا يشمل الرواتب تحت ألف دولار، وناقلاً عن الحريري أنه قد لا يكون ثمة حاجة للمساس بأساسات الرواتب، وموضحاً ان كلام عون كان بمثابة صرخة بأنه “لم يعد ممكناً انتظار التوافق وتعالوا الى الطاولة وأنا أساعد على إيجاد الحل”.