أبى قطاع الاتصالات أن تسبقه الكهرباء في إذلال اللبنانيين والإمعان في تعطيل ما تبقى من أعمال يعتاشون منها، فقرر اللحاق بها. لم تنفع زيادة فاتورة القطاع 5 أضعاف (مرشحة للزيادة مع كل ارتفاع في سعر صيرفة) في تأمين الحد الأدنى من الخدمة. فتدهورت الاتصالات وأصبحت أكثر عرضة للانقطاع، تباطأ الانترنت، واستمرت الأعطال في أبراج الارسال. ولم تكتمل هذه “السيبة” مثلثة الأزمات إلا مع إضراب موظفي شركتي الخلوي، ولحاق موظفي “أوجيرو” بهم. فتقطّعت أوصال الوطن جزئياً، وتعطلت الاعمال. وتُرك البلد بكافة قطاعاته العامة والخاصة على “كف عفريت” مع توقف سنترالي “راس بيروت” و”الجديدة”، والحبل على الجرار باتجاه انعزال لبنان عن العالم.
لم تطل فترة إضراب موظفي أوجيرو حتى بدأت النتائج الكارثية بالظهور تباعاً. فبعد يوم واحد على إعلان “النقابة العامة لموظفي وعمال المواصلات السلكية واللاسلكية” الاضراب المفتوح خرجت سنترالات الحمراء، وصيدا، والنهر، وبيت الدين، والدامور والنبطية، عن الخدمة بشكل كامل. فيما أعلنت شركتا “IDM” و”Cyberia”، لخدمات الإنترنت، عن توقف خدمة الإنترنت لدى العديد من المشتركين في العاصمة بيروت، ولحقتها بقية الشركات المقدمة للخدمة في العديد من المناطق. نتائج هذه الاعطال ما زالت لغاية الآن محدودة. إذ إن “هذه السنترالات صغيرة تغطي ما بين 80 إلى 100 ألف مشترك”، بحسب أحد الاعضاء السابقين في نقابة موظفي أوجيرو، “أما الخطورة فتتمثل في توقف سنترالي “راس بيروت” و”الجديدة” اللذين يمثلان “بوابتي دخول وخروج” الانترنت من وإلى لبنان، فعندها تتوقف خدمات الانترنت في كل لبنان، وتتعطل شبكات الهاتف الخلوي المربوطة محطاتها بعضها بالبعض الآخر بواسطة خدمة أوجيرو أيضاً، وتتوقف المراسلات الداخلية بين البنوك ومع الخارج، وتفقد المؤسسات الامنية قدرة التواصل في ما بينها. وحتى خدمة التخابر غير الشرعي مع شبكات الانترنت التابعة لها تتعطل ايضاً، وينعزل لبنان فعلاً لا قولاً عن العالم”. وبحسب المصدر فإن “إمكانية حدوث الأعطال مرتفعة جداً نتيجة الطقس الحار والحاجة الدائمة إلى تزويد المولدات التي تعمل 24/24 بالمازوت وصيانتها”.
على عكس موظفي الخلوي الذي يتقاضون رواتبهم باللولار أي على سعر 8000 ليرة وبمتوسط 2000 دولار، فان رواتب موظفي قطاع الاتصالات لم تعدّل. فهي ما زالت بالليرة وعلى سعر صرف 1500 ليرة تضاف اليها مساعدة اجتماعية بمبلغ يترواح بين 1.5 مليون ليرة و3 ملايين ليرة، على غرار بقية موظفي القطاع العام. والمؤسف بحسب المصدر أن زيادة تعرفة الاتصالات والتخابر الداخلي والخارجي ورسوم الانترنت زادت مردود الاتصالات إلى 225 في المئة تذهب مباشرة إلى المالية، من دون أن تنعكس زيادة في ايرادات مؤسسة أوجيرو، وبالتالي تحسين قدرتها على زيادة رواتب الموظفين.
المصدر الذي أكد أنهم كموظفين ليسوا مع التعطيل، ولو كانوا كذلك لم يصبروا على هذا الوضع منذ العام 2019 “إنما اليوم ومع الإهمال من وزارة الاتصالات ووزيرها، وكل المعنيين في هذا الملف لم يعد من الممكن السكوت. إذ أصبح الرضوخ لهذا الواقع كمن يعدم نفسه وهذا ما لن نرضاه لأنفسنا ولعائلاتنا”. وهذا ما يثبت أن المشكلة في لبنان ليست “رمانة” المداخيل إنما “قلوب مليانة” جراء فشل الادارة والتشغيل.