تحت عنوان التهويل بإنهيار الإقتصاد، تسير الحكومة اللبنانية نحو اجراءات تقشفية قاسية على ما يبدو لن تكون ردود الفعل تجاهها مقبولة. فحتى هذه اللحظة، لا يتم الحديث الا عن مس بالرواتب بعد ان تكسّرت سيوف محاربة الفساد وفرض الإصلاحات في المعارك السياسية.
ففي ضوء الحديث عن مليارات تبخّرت وتوظيف عشوائي لآلاف الموظفين، تستسهل الحكومة، وكما كانت على الدوام، المس بحقوق المواطنين. فتعديل سلسلة الرتب والرواتب او الرجوع عنها، كما اعادة النظر في معاشات التقاعد لا تزالان حديث الساعة، في حين تتأرجح دقة الحديث عنهما بين متحدثين عن تعديل بسيط وبين آخرين ينفون هذه المقولة بحجة الخوف من غضب شعبي.
لم يعد اليوم اي احد قادر على نفي وضع المالية العامة المزري ووقوف الاقتصاد على شفير الانهيار، في بلد اضحى افلاس الدولة شبح يلاحق مؤسساته. فوفقاً للخبير الإقتصادي د. ايلي يشوعي “الدولة اليوم على شفير الانهيار المالي، والمشكلة ليست صغيرة بل كبيرة جداً، وتحتاج الى مليارات الدولارات لمعالجتها”.
واذ اعتبر يشوعي انه “لا يمكن للمعالجة ان تكون على حساب الموطنين الذين عاشوا الظلام والتلوث والعطش والبطالة والاحتكار وارتفاع الاسعار والتهجير القسري خارج لبنان”، قال: “المليارات التي تحتاجها الدولة موجودة مع جهات معروفة، وطبعاً ليس المواطنين”.
أين مكافحة الفساد؟
وقد يبدو مستغرباً انخفاض وتيرة مكافحة الفساد التي كانت قد انطلقت بقوة بحجة استعادة الاموال المهدورة. فاليوم تبلغ تكلفة الفساد على الاقتصاد اللبناني 10 مليارات سنوياً، فلماذا تعد الدولة العدة للتقشّف على حساب المواطنين؟. شدد يشوعي، في هذا الاطار، على انه على “الدولة وان كانت تعني ما تقول، اطلاق يد القضاء من اجل ان يخوض تحقيقات واسعة تطال الجميع. فإذا كان المسؤولون غير خائفين من اتخاذ هذه الخطوة ووضعهم سليم وغير متورطين في الفساد المالي، فليبدأوا بأنفسهم ومن ثم يتقشفوا على حساب المواطنين”.
واكد “ان العجز كبير جداً، والثقب في المالية العام واسع، والخزينة بحاجة الى اموال كثيرة، وبإعتباري مخطئ من يظن ان بعض اجراءات التقشف تنقذ الموقف الكارثي، لا سيما ان اتت هذه الاجراءات على حساب المواطنين والمساعدات التي تقدمها الدولة لهم.
إمكانيات الحكومة ضعيفة؟
يأتي اليوم كل التعويل على نظرة الحكومة وعملها لإنقاذ الوضع، فعلى رغم ان مجرد الحديث عن اي مس بتقديمات للمواطنين تخلق بلبلة ونقمة، وهذا تحديداً كان ما واجهه وزير الاتصالات محمد شقير عند حديثه عن الغاء الـ60 دقيقة المجانية لأصحاب الخطوط الخليوية الثابتة، قد يفرض على اللبنانيين تجرّع هذه الكأس المرة، اذ تشير الاجواء ان لا خيار لتجنّب الانهيار الا السير بإجراءات محددة وسريعة، وإن كانت لا تروق للكثيرين.
وفقاً ليشوعي، لا تملك الحكومة الحالية الامكانيات لمواجهة هذا التحدي، اذ لا تضم شخصيات قادرة على تجنيب لبنان الانهيار، فهي حكومة اقل من عادية لظروف طبيعية تتولى تسيير الامور وتوقيع المعاملات، اما ان تأتي لمقاربة ازمة من هذا النوع، وبهذا الوسع والعمق، فهذا امر صعب عليها”. وقال: “يوجد اصلاحات غير التقشّف لا تستطيع الحكومة السير بها، وحتى لا تأتي على ذكرها، فهناك اصلاح يجب ان يبدأ من مصرف لبنان، ويمر في وزارة المالية والسياسات الضريبية والموزانة العامة وتكوينها وتركيبتها وصولا الى الحل الجذري للخدمات العامة التي فشلوا بتمويلها وادارتها. كل هذه الامور مغيّبة ولا يتم بحثها”. كما لفت يشوعي الى ان “الحكومة ومهما اعلنت عن اجراءات لا يمكن التعويل عليها، اذ غالباً ما تخطئ حساباتها وتأتي ادنى مما تتوقعه”.
اضحى من الواضح ان اللبنانيون امام مصيبة، فالحكومة لا تقرأ على ما يبدو الا في كتاب التقشّف الخاص بهم على رغم العديد من الضرائب الطائشة التي تفرض عليهم، والتي نتجت عن فشل الحكومات في ارساء اسس للإنفاق تراعي مصالحم على مدى 25 عاماً. فالبنسبة ليشوعي، “خلال كل هذه الفترة قامت الدولة بكل انواع الفساد والتجاوزات والمخالفات الدستورية، الا انها لم تقم بالحوكمة وبناء دولة المؤسسات”.