لبنان في المرتبة الثانية عالمياً لجهة الإنهاك في العمل!

يعرف الاحتراق او الانهاك الوظيفي، على انه نوع من القلق الذي يتعلق بالعمل، فهو حالة من الاجهاد البدني والنفسي، تتضمن الإحساس بالتراجع في الإنتاجية وضياع الهوية الشخصية. واللافت انه لا يمكن تشخيص «الضغط» من خلال الفحص الطبي. ويظن الخبراء ان الحالات المرضية الأخرى مثل: التوتر والاكتئاب هي المسؤولة عن الاعياء، بسبب عوامل محددة تتمثل بالصفات الشخصية والحياة العائلية، ويكون لها تأثير في استهداف الافراد المعرضين للإصابة بالتعب الوظيفي. والذي يمكن ان يؤثر على الصحة البدنية والنفسية.

في هذا السياق، اعتبر المعالج النفسي هربرت فرودنيرجر، وهو اول من أجرى ابحاثا ودراسات عن هذا الامر، «ان الاحتراق الوظيفي او «BURNOUT» يعني التكلفة المرتفعة للإنجاز العالي، وتتمثل في حدوث «تقلص» او «اختفاء» للدافع او الحافز الذي يحركنا في الحياة، او يدفعنا للمضي في العمل وتحقيق التطور المهني، ويحدث الانهاك بشكل خاص عندما تفشل جهود الفرد في الوصول الى النتائج المرجوة».

مصطلحان متَنَابِذَان

يمكن التفريق بين الاحتراق النفسي والوظيفي من خلال الخصائص الثلاث التالية:

– أولا: ينشأ الاحتراق النفسي من مشقة العمل النفسية، جراء تضارب الأدوار وازدياد المهام وحجم العمل.

– ثانيا: يحصل الانهاك لهؤلاء الذين يتبعون المثالية في اداء الاعمال، والاضطلاع بالمسؤوليات المهنية والوظيفية.

– ثالثا: يرتبط التعب عادة بالأعمال المترتبة على الفرد القيام بها، ويتعذر عليه تحقيقها.

الاعراض

في سياق متصل، قالت الاختصاصية النفسية غنوة يونس لـ «الديار» ان «اعراض متلازمة الاحتراق النفسي جراء الانهاك الوظيفي، تتمثل في فقدان القيمة والاكتئاب وكره العمل الذي يشغله الفرد، وقد يعاني الأخير من الضغط العصبي، بما في ذلك التعب والانهاك وفقدان التركيز».

اضافت»الاحتراق الوظيفي شائع بشكل كبير بين الأشخاص الذين يعملون في وظائف تتطلب مجهودا بدنيا ونفسيا مثل الخدمة العسكرية، او وظائف بدوامات طويلة، وهذا يطال العاملين في المجالين الصحي والاجتماعي. اردفت «يتعرض هؤلاء غالبا للاحتراق الوظيفي، وقد يتألمون من مشاكل تتعلق بالأرق والشعور بالتعب الدائم والارهاق وضيق النفس والتعرق. هذه التفاصيل مجتمعة قد تفضي الى تراجع إنتاجيتهم».

وتابعت «أيضا من الأسباب المحتملة، التداخل بين أوقات العمل وفترة الراحة، فيشعر الموظف بأنه لا يستطيع الانتهاء من مهام عمله، وبأنه لا يمكنه التعامل مع ضغط الوقت، وهذا يكشف ان تفاقم هذه الاعراض يقود الى الإصابة بالاكتئاب، كما قد يصل الامر في الحالات الأسوأ الى حد التفكير بالانتحار».

وأشارت يونس الى التفاوت القائم في الوقت الراهن لجهة قيمة رواتب الموظفين اللبنانيين على وجه التحديد، بحيث ان قسماً يحصل على الأجر بالفرش دولار، وبإمكان هذه الزمرة العيش برفاهية وتأمين الاحتياجات الضرورية وحتى الكمالية، في حين ان شريحة واسعة تتقاضى رواتبها بالليرة اللبنانية، وبالتالي لا يمكن لهذه الفئة تأمين المتطلبات الأساسية، الامر الذي يجعل هذه المجموعة تشعر باللاعدالة والإحباط والاكتئاب».

لبنان في الصدارة

على خطٍ موازٍ، كشف تقرير لـ «غالوب» تناول حالة العمل العالمية للعام 2023، وجاء لبنان في المرتبتين الثانية والثالثة كأكثر بلد يكابد فيه الموظفون توترا يوميا وعصبية في مجال عملهم. واحتل المرتبة الثانية كأكثر بلد في منطقة الشرق الأوسط يعاني العاملون فيه، قلقا يوميا في نطاق الوظيفة. اما حالة الغضب اليومي في بيئة العمل لدى الموظفين فهي ثالث اعلى نسبة في المنطقة.

وارتكز التقرير على 3 مقاييس هي: مشاركة الموظفين، المشاعر السلبية اليومية وسوق العمل، وأشار «الى ان تدني مستوى مشاركة الموظفين في عملهم، يؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد العالمي، حيث انه يكلف 8.8 تريليونات دولار، أي ما يشكل 9% من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، وهو ما بيّن ان 44% من الموظفين المستطلَعِين يعانون توترات يومية في مجال عملهم، و21% هم في حالة غضب يومي، معتبرا هذه المستويات قياسية بالرغم من ان العالم قد تعافى من جائحة كورونا في العالم 2022.

وفي السياق، اظهر التقرير ان 53% من الموظفين في العام 2023 يبحثون عن وظائف على مسافة قريبة من أماكن سكنهم (مقارنة بـ 45% في العام 2021)، في حين ان 51% من الموظفين المستطلعين يفتشون عن وظيفة جديدة. وقد بينت نتائج الاستطلاع ان مشاركة الموظفين في عملهم لها تأثير أكبر بـ 3.8% اضعاف من أثر بُعد مسافة مكان العمل عن منازلهم.

الأرقام

بالتوازي، نشر التقرير الذي أعدته «غالوب» تفاصيل الإحصاءات حول مستويات توتر الموظفين المشاركين وغير المشاركين بشكل مباشر، والذين يعملون في مقر عملهم او في بيئة هجينة (في مقر عملهم وفي منازلهم) او من منازلهم. وكشفت البيانات ان 29% من الموظفين الذين يعملون في مكان عملهم يعدون مشاركين في بيئة العمل وفي حالة توتر يومي. فيما 38% يعتبرون غير مشاركين، و52% غير مشاركين بشكل مباشر. بالإضافة الى ذلك، 34% من الموظفين المشاركين والذين يعملون في بيئة غريبة، يعتبرون في حالة غير مشاركة ،و54% غير مشاركين بشكل مباشر.

وذكر التقرير ان لبنان احتل المرتبة 13 من أصل 15 بلدا في منطقة الشرق الأوسط وشمالي افريقيا من حيث معيار مشاركة الموظفين في بيئة العمل، اذ ان هذه النسبة وصلت الى 9% فقط. وقد جاءت إيران في المرتبة 14 (9% نسبة مشاركة) تبعتها الجزائر في المرحلة 15 (18% نسبة مشاركة).

أضاف التقرير ان لبنان هو ثاني أكثر بلد في المنطقة يقاسي فيه الموظفون توترا يوميا في بيئة عملهم ، حيث ان 67% منهم يعاني من هذه الحالة (مسبوقة فقط من تركيا مع نسبة توتر تقدر بـ 68%).

وفي السياق عينه، تشير حسابات لبنان الى ان حالة الغضب اليومي في بيئة العمل لدى الموظفين هي ثالث اعلى نسبة في المنطقة عند مستوى 41%. وانتهى التقرير الأسبوعي الذي نشره بنك «الاعتماد اللبناني» الى ان لبنان في أدنى مرتبة بين نظرائه في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا من حيث مناخ العمل، حيث ان 7% من الموظفين المستطلعين اعتبروا ان الوقت الراهن ملائم للبحث عن عمل جديد.

كيف نتجنب الاحتراق الوظيفي!

نصحت يونس الموظفين بالعمل على الوقاية من الاحتراق النفسي الوظيفي، من خلال «تنظيم الموظف أوقات يومه، والاكثار من ممارسة النشاطات الرياضية للحد من شعور الضغط العصبي، ومحاولة اكتشاف الأشياء التي تسبب له الاحساس بالتعب، كما يجب على العامل الا يكون متاحا لمديره وزملائه في العمل بعد انتهاء الدوام او في العطلات والاجازات، وينبغي اخذ فترة راحة خلال العمل لا تقل عن نصف ساعة»، واعتبرت يونس «ان إحداث توازن بين الحياة العملية والشخصية عامل أساسي، وفي حال شعر الموظف بالإنهاك والتعب،عليه التوجه الى اختصاصي في علم النفس».

مصدرالديار - ندى عبد الرزاق
المادة السابقةموقع مرفأ بيروت الاستراتيجي يجعله صلة الوصل في «الحزام الصيني و«التنمية» العراقي
المقالة القادمةما مصير 400 ألف موظف في القطاع العام؟