لبنان لم يتأثّر بانهيار الأسواق العالمية: “ربّ ضارّةٍ نافعة”

“رب ضارة نافعة” قد يكون أصدق توصيف للصدفة التي جعلت لبنان خارج انهيار متدرج يحصل في معظم بورصات وأسواق المال العالمية، بدفع من تصاعد لهجة التهديد باندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط، والخوف من دخول المنطقة في مواجهات عسكرية وأمنية، تهدّد تدفق النفط والغاز إلى أسواق العالم، وتوقف حركة التجارة في مضيق هرمز والبحر الأحمر المقدرة بـ20% من التجارة العالمية. ويترافق ذلك مع تقارير عن ركود كبير محتمل في الولايات المتحدة الأميركية، والخوف من تفاقمه أكثر، فيما تعيش أميركا الوقت الضائع إلى حين انتخاب رئيس جديد في تشرين المقبل.

ما حصل قد يستمر طويلاً، إما مباشرة أو بتردّداته على الاقتصادات الكبرى والناشئة، أما لبنان فسيبقى حتماً خارج هذه “الهمروجة” الدولية، لأن دولته العلية أخرجته مسبقاً من أسواق العالم، وقطعت صلاته المالية والنقدية بالبورصات الكبرى، يوم اتخذت حكومته السابقة قرارها المشؤوم بالتوقف عن تسديد موجباتها على اليوروبوندز.

وكذلك، لا تأثير محتملاً أو مباشراً على المصارف والمؤسسات المالية المدرجة في سوق الأسهم، بفعل الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يعيشه لبنان منذ 2019. هذا جعل تقييم أصولها غير ممكن بسبب فقدانها أموالها الخاصة وودائعها من جهة، وضمور عائداتها وأرباحها من جهة أخرى، وعدم السماح لها بتوزيع أنصبة أرباحها، بقرار سابق من مصرف لبنان.
حتى الآن لا يزال لبنان يعيش في المربع المالي الآمن، بيد أن ذلك قد لا يسري على بعض رجال الأعمال والمستثمرين اللبنانيين في الخارج، الذين قد يصابون بنكسات وخسائر في البورصات العالمية، تتمنى مصادر متابعة أن لا تكون بينها فروع المصارف اللبنانية، والمصارف الشقيقة، العاملة في أوروبا والدول العربية، حيث لا يزال من المبكر تأكيد ذلك أو تقدير أحجامها.

وفي السياق، يؤكد رئيس مجلس ادارة بورصة بيروت غالب محمصاني لـ”النهار” أن لا انعكاس لتراجع البورصات العالمية على البورصة اللبنانية، على اعتبار أن الحركة في بورصة بيروت خفيفة جداً منذ جائحة كورونا. وقال “صحيح أنها لا تزال مرتبطة بالأسواق المالية العالمية، بيد أن العمل لم يعد كما كان في السابق خصوصاً في ظل الوضع الاقتصادي، وتراجع نشاط القطاع المصرفي، الى عدد من العوامل التقنية الداخلية للبورصة التي جعلتها محدودة العمل نوعاً ما”، موضحاً أن “النشاط يقتصر على أسهم شركة “سوليدير” وشركات الاسمنت، ولكن بشكل خجول جداً”.

اقتصادياً، يرى رئيس الاتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL الدكتور فؤاد زمكحل أن “لا تداعيات مباشرة على الاقتصاد اللبناني لاعتبارات عدة. أول هذه الاعتبارات أن القطاع المصرفي لم يعد في عداد القطاعات المصرفية الدولية بل أصبح موجوداً في لبنان فقط، فيما الدولارات الموجودة في القطاع أصبحت لولارات، ثانيها أننا أصبحنا سوقاً مدولراً بامتياز، وتالياً لا يمكن لسوق الصرف أن ينهار أكثر مما شهده من انهيار مع الأخذ في الاعتبار أن “فوربس” صنفت العملة اللبنانية على أنها الأضعف بين العملات في العالم. أما بالنسبة لتراجع أسعار الذهب عالمياً وإمكان تأثيره على مخزون الذهب اللبناني، فيؤكد زمكحل “بما أنه لا نيّة لبنانية لبيع أو شراء الذهب، فذلك يبعد التأثيرات المباشرة على “ذهبنا”، ويبقى تأثيره على القلم والورقة فقط. ولكن زمكحل لم يستبعد أن تتأثر الشركات اللبنانية في الخارج، أو بعض الاستثمارات المالية، علماً بأنه بسبب التطورات في المنطقة لم يعد أي من المستثمرين يفكر في توظيف أمواله في لبنان.

الباحث في الشؤون الاقتصادية زياد ناصر الدين يشير إلى أن “البورصات العالمية تتعرض لخضة كبيرة على المستوى التقني كل عامين أو 3 أعوام. بيد أنه أضيف الى هذا العامل التقني عامل جيوسياسي، إذ إن جزءاً من الانكماش الاقتصادي العالمي سببه التوترات في الشرق الأوسط”.

ووفق ناصر الدين ثمة تقرير صدر في الولايات المتحدة وتوقع أن تنخفض نسبة الوظائف بنسبة 15% في الولايات المتحدة الأميركية، فيما قال مكتب إحصاءات العمل الأميركي إن البطالة صعدت خلال تموز الماضي إلى 4.3% من 4.1% في حزيران السابق، وهو ما يؤكد أن “الاقتصاد الأميركي يتجه الى حال ركود والجمود أي بمعنى آخر ضعف في الاستثمارات”.

ويشير ناصر الدين الى أن “إصرار المصرف المركزي الأميركي على تثبيت معدلات الفوائد المرتفعة لتحريك السيولة في الأسواق، انعكس على كل البورصات العالمية بما أدى الى إغلاق 5 بورصات عالمية، وهذا الأمر كان مرتبطاً أيضاً بشكل أساسي بأسهم شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إذ تبيّن في كل التقارير المالية أن أسهم هذه الشركات لم تحقق ما كانت تتوقعه لعام 2025″. ويلفت ناصر الدين الى أن “ما نسبته 25% و30% من صناعة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي هي في إسرائيل، بما أثر سلباً على أسواق البورصة العالمية. عدا عن ذلك، فإن التخوف من استمرار الحرب خلق حالة من القلق أدت الى ارتفاع في أسعار المواد الأولية، ما انعكس سلباً على الأسهم المرتبطة بالصناعات خصوصاً في اليابان إذ وصلت خسائر بورصة طوكيو الى 567 مليار دولار، فيما أقفلت البورصة الأميركية على خسارة نحو 1.9 تريليون دولار بما أدّى الى انخفاض بقيمة عملة البيتكوين الرقمية بنسبة 14%، وهي أكبر نسبة انخفاض منذ 2021، عدا عن انخفاض قيمة الذهب العالمية”.

وعما إن كان لبنان سيتضرّر من جراء تراجع أسهم البورصة عالمياً، يقول ناصر الدين إن “لبنان لا يزال خارج الخريطة المالية والاقتصادية والنقدية العالمية، خصوصاً في ظلّ تخلف البلاد عن سداد مستحقات اليوروبوند، كما أنه غير معني بالاستثمار التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، على خلاف إسرائيل التي تستثمر استثمارات كبيرة في التكنولوجيا”. وأكد أنه “لا يمكن أن تنهار بورصة بيروت، على اعتبار أن حركتها محدودة جداً على خلفية التراجع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، فيما المصارف اللبنانية لا تحظى بثقة المستثمرين اللبنانيين لشراء أسهم في أي شركة مالية حول العالم”. ولا ينفي ناصر الدين أنه قد تكون ثمة خسائر للبنانيين على المستوى الشخصي فقط خصوصاً أولئك الذين استثمروا بشراء البيتكوين الذين يمكن أن يتكبّدوا خسائر كبيرة.

 

مصدرالنهار - سلوى بعلبكي
المادة السابقةسعر الصرف وسيناريوهات الحرب: هل تكفي الاحتياطات؟
المقالة القادمةالشِرْكة بين القطاع العام والخاص تؤدي الى اقتصاد منافس وقوي