لبنان ما زال مهددا بادراجه ضمن اللائحة الرمادية

لا يزال احتمال إدراج لبنان على اللائحة الرمادية وارداً بعدما أعطي فترة سماح للمرة الثانية في شهر أيار الماضي من قبل مجموعة العمل المالي الدولية التي ستجتمع في شهر تشرين المقبل من أجل إصدار القرار النهائي بهذا الشأن.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن لبنان كان معرضاً في شهر تشرين من السنة الماضية أن يوضع على اللائحة الرمادية ومن أجل تفادي هذا الأمر قدمت الدولة اللبنانية وعوداً بتطبيق الإصلاحات في المالية العامة والمصارف وتوقيف الاقتصاد النقدي. وللأسف إلى اليوم لم يتم تنفيذ هذه الوعود فهل بتنا مهددين لمرة جديدة بوضعنا على اللائحة الرمادية؟ سيما أن الاقتصاد النقدي وهو من الأسباب الأساسية لوضع لبنان على اللائحة الرمادية يزداد يوماً بعد يوم.

في هذا الإطار يقول الباحث في الشؤون الاقتصادية والمصرفية محمد فحيلي في حديث للديار: هناك نوعان من النقد النوع الاول هو النقد التي تصدره الدولة اي الأوراق النقدية التي لدينا ثقة به لأن هناك دولة وراءه، والنوع الثاني هو النقد الذي تصدره المصارف أي الشيكات وبطاقات الدفع وكل وسائل الدفع المتاحة من خلال القطاع المصرفي وهذا النوع نعتمده ونستعمله لأن لدينا ثقة بالقطاع المصرفي، لافتاً أننا عندما نصل إلى مرحلة نفقد خلالها الثقة بالدولة اللبنانية التي هي وراء الأوراق النقدية ونفقد الثقة بالقطاع المصرفي الذي هو وراء وسائل الدفع المتاحة، نضطر إلى اللجوء الى البديل الذي هو في هذه الحالة العملة الأجنبية الدولار او اليورو أو أي عملة أجنبية بديلة أجنبية أخرى نثق بها .

وأشار فحيلي إلى أننا بدأنا نعتمد الدولار كعملة أساسية ربحت ثقتنا لجهة التعامل بكل الوسائل، “ولهذا السبب وصلنا إلى اقتصاد نقدي الذي يسمى باقتصاد الظل الذي يصبح من خلاله التبادل التجاري بطريقة غير رسمية وليس بالضرورة بطريقة غير شرعية بمعنى انه لا يتم التصريح عن البيع والشراء”، موضحاً انه في هذه الحالة يصبح من السهل للشخص أن يتفادى التصريح عن دخله بطريقة صحيحة ودقيقة وبالتالي يتفادى أن يدفع التزاماته تجاه الدولة من رسوم وضرائب “وهذا ما أوصلنا إلى ما وصلنا إليه”.

وتحدث فحيلي عن مساوئ الاقتصاد النقدي الذي يؤثر سلبياً في إيرادات الدولة وقدرتها على تحصيلها كما يؤثر سلبياً في الرقابة، مثلاً وزارة الصحة ووزارة الاقتصاد لجهة حماية المستهلك ولجهة حماية المنتجات التي يتم بيعها في لبنان، كونها ليس لديها معلومات حول المؤسسات التجارية التي تقوم بصناعة وبيع هذه المواد وعندئذ يكون هناك غياب تام للرقابة واحتمال كبير بأن يقوم المستهلك بشراء بضائع غير صالحة.

ومن مساوئ تفاقم اقتصاد الظل أيضاً اشار فحيلي إلى تفشي ممارسة الاحتكار من قبل التجار “ولذلك التركيز على المناقبية المهنية يكون أهم بكثير من التركيز على القوانين لأن المناقبية المهنية هي الوحيدة التي تحمي المستهلك”.

كما لفت فحيلي إلى أن من التأثيرات السلبية للاقتصاد النقدي انه يفتح مساحة إضافية لمن يريد الاصطياد بالماء العكر أي الذين يقومون بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب بحيث يكون لديهم إمكانية أكبر في ظل تفشي الاقتصاد النقدي، مؤكداً أن الاقتصاد النقدي هو نتيجة لفقدان الثقة .

وحول كيفية الحد من الاقتصاد النقدي قال فحيلي يجب على الدولة أن تطلق عجلة ترميم الثقة بينها وبين المواطن اللبناني، وعلى القطاع الخاص من مؤسسات ومصارف أن يطلق عجلة ترميم الثقة بينه وبين المجتمع اللبناني، “مع التركيز هنا على القطاع المصرفي الذي يهمه كثيراً العودة إلى وسائل الدفع المتاحة من خلاله وهو لذلك عليه مسؤولية أكثر من اي مكون آخر من مكونات القطاع الخاص لإطلاق عجلة ترميم الثقة”، مؤكداً أنه غير ذلك لا يمكن للمواطن اللبناني أن يذهب باتجاه التخلي عن الأوراق النقدية والعودة إلى وسائل الدفع المتاحة من خلال القطاع المصرفي.

وفي موضوع احتمال إدراج لبنان على اللائحة الرمادية استبعد فحيلي بالرغم من تفشي الاقتصاد النقدي احتمال إدراج لبنان على اللائحة الرمادية التي تعني أنه متعاون جزئياً في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ، لأن مجموعة العمل المالي في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا تعلم أن لجوء مكونات المجتمع اللبناني إلى الأوراق النقدية في التبادل التجاري سببه فقدان الثقة وليس رغبةً منها بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب .

ووفقاً لفحيلي أسوأ النتائج من خلال إعادة تقييم الملف اللبناني الذي يحصل حالياً والذي سوف يتخذ القرار بشانه في أوائل فصل الخريف المقبل سيتم إبقاء لبنان على وضعه حالياً معتبراً ان أي تصنيف سيئ للبنان سيخدم المجرم الذي يقوم بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب ولا يخدم الاقتصاد الرسمي والشرعي في لبنان، لأن من تداعيات تصنيف لبنان على اللائحة الرمادية هو ازدياد حاد في كلفة تقديم الخدمات المصرفية، وتعثر لبعض المصارف لجهة المحافظة على علاقة جيدة مع المصارف المراسلة خارج لبنان لتأمين خدمات للمواطن اللبناني، كما سيكون هناك تردد بتوجه رأس المال إلى لبنان لجهة الاستثمارات لإنقاذ الاقتصاد أو لمساعدة لبنان المقيم .

و إذ أشار فحيلي إلى أن هناك ما يقارب السبعة مليار دولار يرسلها المغتربون إلى لبنان المقيم ستتأثر بالتصنيفات أكد أنه لن يكون هناك انعدام للعلاقة بين لبنان المقيم والعالم الخارجي، “لأنه منذ أذار ٢٠٢٠ عندما قررت الدولة التوقف عن خدمة الدين العام بدأت المصارف المراسلة تتعامل مع المصارف التجارية اللبنانية (على القطعة) أي إذا التزم مصرف معين بطلباتها فهي تستمر في العلاقة الجيدة معه وإذا لم يلتزم بطلباتها تجمد العلاقة ولا تقطعها بانتظار أن يتخذ المصرف التجاري قراراً بالامتثال والتجاوب مع طلباتها”، موضحاً أن كلمة تجميد مهمة لأن نادراً ما تقطع المصارف المراسلة العلاقة مع مصرف تجاري بسبب الظروف التي تحدثنا عنها والتي حلت بلبنان منذ أواخر العام ٢٠١٩ و ما زالت حتى اليوم.

 

مصدرالديار - أميمة شمس الدين
المادة السابقةميقاتي لم يلتزم برفع سعر الدولار المصرفي والحل في مجلس الوزراء
المقالة القادمةزحمة المطاعم وفورة الإستثمارات: “فقاعة” سياحية؟