لبنان والعالم: من هم شركاؤنا التجاريون؟

في حقبة تسودها كبرى الحروب التجاريّة بين التكتلات الاقتصاديّة الأساسيّة، بما يشمل فرض الرسوم التجاريّة المتبادلة والقيود على الاستيراد، يصبح من الضروري أن تعود الدول لدراسة قائمة الشركاء التجاريين الأساسيين، أي الوجهات الأساسيّة التي تعتمد عليها للاستيراد والتصدير. إذ حتّى لو لم تكن الدولة معنيّة بشكلٍ مباشر بهذه الحروب التجاريّة، وحتّى إذا لم تنخرط في فرض هذا النوع من الرسوم، كما هي حالة لبنان، لا يمكن لأي دولة أن تحيّد نفسها عن الخضّات التي ستطرأ على سلاسل التوريد العالميّة. فسلع الدول الأخرى، التي ستُسد أمامها أسواق معيّنة، ستبحث عن أسواق بديلة، ولو بأسعار أقل لمنافسة السلع المحليّة. وبعض الرسوم الجمركيّة، أو القيود على الاستيراد، مصمّمة لتطال فئات من الواردات من جميع الدول من دون استثناء.

ما تنبغي دراسته، عند مراجعة الشركاء التجاريين، هو حجم التركّز في وجهات الاستيراد والتصدير، أي درجة اعتماد البلاد على وجهات معيّنة لتأمين نسبة عالية من عمليّات التجارة الخارجيّة. فعند انكشاف أي دولة على شريك تجاري معيّن، بنسبة كبيرة، ترتفع مخاطر أي تحوّلات غير متوقعة، وخصوصًا على مستوى نسب الرسوم الجمركيّة والقيود على التصدير. فعلى سبيل المثال، وإن كان هذا التطوّر قد أتى من خارج سياق الحرب التجاريّة، تتجه 37% من الصادرات الإسرائيليّة إلى تكتّل واحد، هو السوق الأوروبيّة المشتركة، فيما تواجه الصناعات الإسرائيليّة مخاطر إلغاء اتفاقيّة التجارة الحرّة بين الطرفين، على خلفيّة انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في قطاع غزّة.

في مطلق الأحوال، تطرح هذه المستجدات على المستوى العالمي السؤال البديهي: من هم شركاء لبنان في التجارة الدوليّة؟ وما مدى تركّز الصادرات أو الواردات في وجهات معيّنة؟ أو حتّى قطاعات اقتصاديّة معيّنة؟

أبرز وجهات التصدير

وفقًا لأرقام الجمارك اللبنانيّة، لغاية الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، كانت سويسرا الوجهة الأولى للصادرات اللبنانيّة، بنسبة قاربت 23% من إجمالي الصادرات، ثم تلتها الإمارات العربيّة المتحدة بنسبة 17%، ومن بعدهما مصر بفارق كبير، بنسبة لا تتعدى 4.25%. وعلى هذا الأساس، يتضح أن وجهات التصدير اللبنانيّة متركزة، وبشكلٍ يدعو للانتباه والحذر، في وجهتين فقط، هما سويسرا والإمارات، إذ يستحوذ البلدان معًا على نسبة إجماليّة قدرها 40% من صادرات البلاد. وفي حال تعرّض أسواق الدولتين، أو إجراءات الاستيراد فيهما، لأي تحوّلات، سينعكس ذلك حتمًا على أرقام الميزان التجاري وحجم الصادرات الإجماليّة.

لماذا يتركّز التصدير اللبناني في سوقيّ الإمارات وسويسرا؟ نظرة سريعة على نوعيّة الصادرات اللبنانيّة، وكيفيّة توزّعها على القطاعات الاقتصاديّة المختلفة، توضح السبب. ففئة المعادن والحجارة الثمينة والمجوهرات وحدها استحوذت على قرابة 37% من الصادرات اللبنانيّة، وهي نسبة قريبًا جدًا من نسبة الصادرات المتجهة إلى سويسرا والإمارات. ولهذا السبب، يتضح أنّ سبب التركّز الصادرات في الوجهتين المذكورتين يتصل بكونهما أسواق معروفة لهذه الفئة من السلع.

الأهم هنا، هو أنّ الصادرات اللبنانيّة لا تتركّز فقط في وجهتين فقط، بل تتركّز أيضًا في فئة محددة جدًا من فئات السلع والخدمات، وهي المجوهرات والمعادن الثمينة. وهذا ما يعني أن أي تحوّلات غير مرغوبة في سوق هذه الفئة من الصادرات، ستؤثّر أيضًا على حجم الصادرات الإجمالي وأرقام الميزان التجاري.

الملفت للنظر أيضًا، هو أنّ لبنان يستورد قرابة 1.75 مليار دولار أميركي من المعادن والمجوهرات والحجارة الثمينة، فيما يصدّر، مقابل هذا الرقم، نحو 789 مليون دولار أميركي من فئة السلع نفسها. وهذا ما يشير إلى أن الشركات اللبنانيّة تمارس عمليّة استيراد بعض فئات المعادن والحجارة الثمينة، قبل أن تقوم بتصديرها إلى أسواق منخفضة الرسوم الجمركيّة، بعد إدخال أعمال طفيفة عليها. ومن المعلوم أنّ هذا النمط من التصنيع يُعتبر منخفض القيمة المُضافة، مقارنة بسائر فئات الصناعات القادرة على خلق عدد أكبر من الوظائف، والتي تحتاج استثمارًا محليًا أكبر.

في جميع الحالات، يبقى أن هناك خشية من تزايد التركيز الدولي على مخاطر سوق تجارة المعادن والحجارة الثمينة، على مستوى تبييض الأموال، ما يُبقي خطر إضافة قيود جديدة على هذه التجارة التي يستفيد منها لبنان. في هذه الحالة، قد تتأثّر أرقام الميزان التجاري وحجم الصادرات أيضًا. وجميع هذه الأرقام، تعيد التذكير بضرورة تنويع الصادرات اللبنانيّة، ما يحتاج بدوره إلى تنويع نشاط القطاعات الإنتاجيّة محليًا.

أبرز مصادر الواردات

من ناحية السلع المستوردة، تبدو المسألة مختلفة، وأكثر تنوّعًا. فمصدر السلع المستوردة الأوّل هو الصين، لكن بنسبة لا تتجاوز 11.65% من إجمالي الواردات. وتصدّر الصين للائحة مفهوم، لناحية دورها كقطب صناعي أساسي. ثم تليها اليونان، أبرز محطّات التصدير الموجودة على الشواطئ الجنوبيّة للسوق الأوروبيّة، بنسبة تقارب 8.52%. وتليها مصر، بنسبة 7%، وتركيا بنسبة 6.8%، ثم الإمارات بنسبة 6.69. وبهذا الشكل، لا تمثّل المصادر الثلاثة الأولى للواردات أكثر من 27.17% من إجمالي الصادرات، والمصادر الثلاثة أساسًا متنوّعة من ناحية موقعها الجغرافي والسوق التي تتبع إليها (الصين وأوروبا وشمال أفريقيا).

في جميع الحالات، تبقى أهم إشكاليّات الميزان التجاري اتّساع حجم العجز، الذي تجاوز حدود 9.34 مليار دولار لغاية أواخر شهر تموز، مقارنة بـ 8.31 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام الماضي. مع الإشارة إلى أنّ السبب الأساسي لهذا الارتفاع كان زيادة قيمة السلع المستوردة، بنسبة ناهزت 15% بين الفترتين، وهو ما وسّع الفارق بين الصادرات والواردات.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةالعالم أمام تحدي سد الفجوة بين تراكم الثروات والنمو الاقتصادي
المقالة القادمةوزارة الاتصالات تقلب صفحة الإصلاح وتسترجع زمن الهدر والفساد