بالنسبة للبنان، فإن سنوات ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب كانت عجافاً؛ تلقى خلالها لبنان التفصيل الصغير في تعاطي الإدارة الأميركية الكثير من الصدمات، نتيجة سياسة الضّغط القصوى التي اتّبعها ترامب في تعاطيه مع المنطقة.
أحداث فارقة شهدها لبنان تمثّلت بعقوبات أميركية غير مسبوقة طالت مؤسسات وأفراد.
أولى العقوبات المشددة على لبنان خلال ولاية ترامب، أصابت “جمّال ترست بنك” الذي يملك نحو 26 فرعاً مصرفياً دخل وخارج لبنان، ويضم أكثر من 400 موظف.
فتوقف العمل في مصرف “جمال ترست بنك” بعد إعلان العقوبات الأميركية نهاية آب 2019، وتسلّم مصرف لبنان الملف مباشرة فلجأ إلى سلسلة إجراءات “منع عمليات السحب من حسابات المودعين وحسابات الموظفين للتحقيق بها، ورد المودعين إلى مصرف لبنان الذي آثر إصدار شيكات مصرفية بكامل المبالغ المودعة عند استحقاقها.
ولم تقتصر التأثيرات على “جمّال ترست بنك” نفسه أو المودعين والموظفين فقط، حيث أن إدراج المصرف اللبناني على لائحة العقوبات الأميركية حمل تأثيرات على الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني.
والعقوبات الأميركية أيضاً، أثّرت في العلاقات المصرفية اللبنانية – العربية، فتراجعت شهية التعامل مصرفياً مع لبنان.
كما أن العقوبات على مصرف واحد رفعت كلفة التعامل مع المصارف المرسلة، وكان قد لجأ بعض هذه المصارف إلى قطع العلاقة مع بعض المصارف الصغيرة لبنانياً وعربياً، نظراً إلى حجم الأعمال التي لا تغطي كلفة الامتثال التي تتكبدها المصارف الغربية.
عهد ترامب شهد فرضاً للعقوبات طالت مؤسسات والأفراد في لبنان
في عهد ترامب، العقوبات الأميركية على مؤسسات والأفراد في لبنان لم تقف عند هذا الحد. فالمسؤولون الأميركيون قالوها وبوضوح “سيُعاقَب كل من يثبت أنه تعامل أو سهّل التعامل مع حزب الله”، ليتجه لبنان المتعثّر اقتصادياً والمثقل بالديون إلى مرحلة أصعب.
وآخر إجراءات إدارة ترامب ضد الشركات اللبنانية، حملت عقوبات على شركتي “آرش كونسالتينغ” للدراسات والاستشارات الهندسية، و”معمار كونستركشن” للهندسة والمقاولات، من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركي (OFAC).
ولم تقتصر العقوبات الأميركية الموجّهة ضد لبنان عند هذا الحد، حيث فرضت واشنطن عقوبات على وزيرين لبنانيين سابقين هما يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل بتهمة ضلوعهما في “الفساد”.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، قد يكون من الخطأ القول، إن لبنان مجرّد تفصيل صغير في أجندات وتعاطي الإدارة الأميركية. فهذا الملف دون شك، واحد من الأبرز على صعيد المتابعة في واشنطن، وللدلالة على ذلك، يُمكن متابعة تصريحات رأس الدبلوماسية الأميركية وزير الخارجية مايك بومبيو، وتناوله الدّائم للملف اللبناني.
وقبيل ساعات من الانتخابات، يقف العالم أجمع مترقّباً من سيكون رئيس أميركا المقبل. وهنا يرى المحللون أن فوز الرئيس الحالي دونالد ترامب بولاية جديدة، سيعني مرحلة أكثر قسوة إقليمياً ودولياً.
وإنطلاقاً من الواقع الجديد، سنكون أمام عقوبات تطال شخصيات وكيانات ومؤسسات جديدة، ستنتج مزيداً من الضغط والأزمة على لبنان.
تداعيات قاسية على الاقتصاد اللبناني من عقوبات “قيصر”
وبالحديث عن الضغوطات، التي أصابت لبنان خلال ولاية ترامب، كان لـ “قانون قيصر” الحيز الأكبر من التأثيرات على الداخل اللبناني.
وينصّ “قانون قيصر” على فرض عقوباتٍ هي الأقسى من نوعها سوريا ومن يدعمها ويموّلها، الأمر الذي وضع عدداً من الدول تحت مجهر العقوبات الأميركية، ومن بينها لبنان الذي تأثر كدولة.
وبدأت تداعيات “قانون قيصر” الاقتصادية تظهر في لبنان قبل دخوله حيّز التنفيذ في 16 حزيران من العام 2020 الجاري، وخصوصاً من خلال ارتفاع سعر صرف الدولار بشكلٍ غير مسبوقٍ.
وأدت فوضى الصرف وفلتان الأسعار في السوق السوداء إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية في لبنان وكل البضائع المستوردة، وقد نكون في مرحلة لاحقة أمام تداعيات أقسى بكثير من تلك التي نشهدها اليوم.
أيًّا كان الرئيس الأميركي المقبل، فإن أيام لبنان اقتصادياً لن تكون أفضل، ولكن تبقى العين على مسارين أساسيين للبنان يشكلان عناوين المرحلة المقبلة. الأول يتمثل بالمفاوضات مع “صندوق النقد الدولي”، والآخر يختص بالمفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”إسرائيل” والذي تقف فيه واشنطن كوسيط.