لبنان يبحث عن منافذ تجارية بديلة لإنعاش اقتصاده العليل

يبحث لبنان المرهق اقتصاديا وماليا وسياسيا عن لملمة جزء من مقدراته وثرواته، خاصة تلك المتعلقة بالقطاع الزراعي، في وقت تسعى فيه البلاد لزراعة القنب الهندي “لأغراض طبية”، وفتح أسواق جديدة. ومنذ أكثر من عامين والزراعة تصارع في وجه أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ البلاد حتى جاءت أزمة دبلوماسية مع السعودية ودول خليجية أخرى، لتزيد الطين بلة مع انحسار الصادرات.

ووصف وزير الزراعة عباس الحاج حسن زراعة القنب الهندي للأغراض الطبية والصناعية بأنها بمثابة “طوق نجاة” للاقتصاد اللبناني نظرا إلى مردودها المالي المرتفع. ورغم أن البرلمان أقر العام الماضي قانونا يجيز زراعة هذه النبتة، إلا أن المراسيم التطبيقية لذلك لم توضع بعد، ما يعرقل البدء في منح التراخيص اللازمة لهذا النوع من المزروعات. ورأى حسن في تصريحات لوكالة الأناضول أن هذه الزراعة ستشكل بديلا عن زراعة الممنوعات (الحشيش) بمنطقة البقاع، وسيكون لها مردود مالي للمزارعين. وقال “هذا النوع من الزراعة يقلل استهلاك المياه ومبيدات الحشرات، مقارنة بالزراعات الأخرى”. وأوضح أن هذه النبتة ستزرع وفق القانون للاستفادة منها للأغراض الطبية والصيدلانية والصناعية. كما يعد القنب الهندي أرخص ثمنا من المحاصيل الرئيسية الأخرى كالتفاح والبطاطا.

ومن المتوقع أن يُصبح القانون ساري المفعول خلال الفترة القليلة المقبلة بعد وضع مراسيمه التطبيقية. وقال حسن “بذلك يخطو لبنان أولى خطواته في هذا المجال الذي يعد تجربة ناجحة في بعض الدول كالمغرب”.

وكشف أن شركات كندية وأميركية وإسبانية تواصلت مع لبنان، وأعربت عن جاهزيتها لإنشاء مصانع لاستخراج وتصنيع المواد التي تنتجها هذه النبتة للغايات الطبية والصناعية. ومسألة زراعة القنب الهندي من بين توصيات شركة ماكنزي الدولية للاستشارات الإدارية والمالية عام 2018 للبنان لما قد توفره تلك الزراعة من أرباح لخزينة الدولة، تصل إلى نحو مليار دولار سنويا.

لكن الأمر لن يكون سهلا فمعظم المدخلات الزراعية كالبذور والأعلاف الحيوانية واللقاحات والمواد البيطرية وغيرها من الصعب الحصول عليها جراء هبوط قيمة الليرة، إذ باتت خارج متناول المزارعين الذين لم يعد بوسعهم تحمل ارتفاع التكاليف.

وتشكل الزراعة ثالث أبرز القطاعات الاقتصادية في البلاد، إذ تظهر المؤشرات الرسمية أنها تسهم بنحو 7 في المئة من الناتج الحلي الإجمالي، كما تؤمن دخلا لحوالي 15 في المئة من السكان البالغ عددهم ستة ملايين نسمة، بينهم مليون لاجئ. ويعاني لبنان منذ العام 2019 من أزمات سياسية ومالية واقتصادية وصحية ومن تدهور معيشي متصاعد وانهيار قيمة الليرة وتآكل المداخيل المدخرات، إضافة إلى تصاعد البطالة والفقر وتراجع قدرات اللبنانيين الشرائية مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية.

وأشارت تقديرات وزارة العمل اللبنانية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية إلى أن معدلات البطالة ارتفعت من 18.5 في المئة في عام 2019، ثم قفزت إلى 36.9 في المئة العام الماضي، ومن المتوقع أن تبلغ 41.4 في المئة بنهاية هذا العام. وكذلك في ظل غياب أي حلول إجرائية سريعة وجدية لمواجهة الأزمة الاقتصادية المتسارعة في التضخم، ارتفع معدل الفقر إلى أكثر من 50 في المئة. ويأتي ذلك كله، بينما فقدت العملة المحلية أكثر من 90 في المئة من قيمتها منذ العام الماضي، لتنزل إلى مستوى قياسي عند نحو 23.5 ألف ليرة لكل دولار في السوق السوداء مقابل 1510 في السوق الرسمية.

ولن تكتف الحكومة اللبنانية بتنمية قطاع الزراعة الذي يعاني أصلا، بل تتطلع إلى فتح أسواق خارجية جديدة للمنتوجات الزراعية المحلية بعدما واجهت مشاكل في الفترة الأخيرة التي أكدت أنها لن تكون بديلا عن الأسواق الخليجية. وقال حسن إن “لبنان يصدر إلى دول الخليج معظم المنتجات الزراعية كالتفاح والبطاطاس والحمضيات والعنب والخضار وغيرها، وآمل أن تعود العلاقات ممتازة كما كانت سابقا لاسيما في ما يتعلق بالتبادل الزراعي”.

وكان لبنان يصدر 25 في المئة من إنتاجه الزراعي إلى السعودية، كما كانت تمر عبرها 44 في المئة من المنتجات إلى باقي دول الخليج الأخرى، قبل إعلان حظر ذلك. وبحسب رئيس جمعيّة المزارعين اللبنانيّين أنطوان الحويك في حديث سابق للأناضول، فقد بلغت قيمة الصادرات الزراعية إلى السعودية العام الماضي 24 مليون دولار، وإلى الكويت 21 مليون دولار، وإلى الإمارات 14 مليون دولار. ويعتبر الأردن واحدا من الأسواق الجديدة التي يسعى لبنان لجعله وجهة إضافية للمنتجات الزراعية، وذلك بعد توقيعه اتفاقا قبل أيام قليلة مع الحكومة الأردنية.

ولفت الحاج حسن إلى أن هذا الاتفاق يشكل دعما للمنتجات اللبنانية الزراعية، لكنه كرر أن ذلك لن يكون بديلا عن السوق الخليجية. أما بشأن التعاون مع تركيا، فيذكر الوزير أنه عقد مؤخرا لقاء على هامش القمة الإسلامية للأمن الغذائي مع وزير الزراعة والغابات التركي بكر باكديميرلي، وتم الاتفاق على أن تكون هناك شراكة في هذا المضمار. وتابع “صحيح أن تركيا تنتج كل شيء ولديها منتجات زراعية هائلة”، لكن رغم ذلك فإن نظيره التركي تمنى أن تكون هناك لجان فنية لدراسة اتفاقيات شراكة بين البلدين في القطاعات الحيوانية والنباتية. ويقع على عاتق الحكومة الجديدة التوصل سريعا إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي كخطوة أولى لإخراج لبنان من أزمته، فيما يشترط المجتمع الدولي تطبيق إصلاحات بنيوية في قطاعات رئيسية مقابل توفير الدعم المالي.

 

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةموسكو تسعى إلى تعزيز دورها في صناعة الهيدروجين
المقالة القادمةرياض سلامة: لدى مصرف لبنان 14 مليار دولار سيولة احتياطي العملة الصعبة