لبنان يتراجع في «مؤشّر الابتكار»: تدنّي التعليم والأبحاث العلميّة وهجرة الطاقات الإبداعيّة

أظهرت نتائج النسخة الـ 14 من تقرير «مؤشر الابتكار العالمي» 2021، تراجع لبنان من المركز الـ87 في العام الماضي إلى المركز الـ92، من بين 132 دولة، وحلوله في المرتبة العاشرة عربياً من بين 13 دولة (الإمارات في المرتبة الأولى عربياً والـ33 عالمياً). كما صُنّف لبنان في المرتبة الـ16 من بين 19 ضمن مجموعة دول شمال أفريقيا وغرب آسيا (حلّ الكيان الإسرائيلي في صدارتها). فيما حافظت سويسرا على صدارتها العالمية، تلتها السويد والولايات المتحدة.

يهدف تقرير مؤشر الابتكار إلى ترتيب القدرات الابتكارية لاقتصادات العالم بالاستناد إلى 81 مؤشراً، من بينها نسب إيداع طلبات الملكية الفكرية، عدد تطبيقات الهاتف الجوال المطوّرة، نفقات قطاع التعليم، المنشورات العلمية، جودة الأوراق البحثية والجامعات، صادرات خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، عدد براءات الاختراع، تطوير مراكز البحث والتطوير وغيرها من المؤشرات.

القراءة التفصيلية للنتائج تشير إلى أن لبنان تراجع بشكل لافت عن الاستحقاقات السابقة في غالبية المؤشرات، ولا سيما في مدخلات الابتكار، ومستوى رأس المال البشري والأبحاث، فيما بدا لافتاً التدني الكبير للتعليم إلى المرتبة الـ123. وهذا الرقم ينسجم مع نتائج لبنان المتدنية في الاختبارات الدولية مثل TIMSS وPISA. كذلك سُجّل تراجعٌ في مخرجات الابتكار المعرفية والتكنولوجية (خلق المعرفة، تأثير المعرفة، نشر المعرفة)، واللافت أيضاً كان التراجع من المرتبة الـ23 إلى المرتبة الـ27 على مستوى إنتاج وخلق التطبيقات الهاتفية، علماً أن هذا كان من أهم نقاط القوة الدائمة للبنان في مؤشر الابتكار.

النتائج عكست بوضوح ضعف قدرة الدولة واهتمامها بتحسين جودة الابتكار بوصفه محرّكاً للنمو الاقتصادي، إذ تواجه منظومة الابتكار تحديات كثيرة قابلة للتزايد مع تدهور الوضع الاقتصادي، ما سيؤثر سلباً على تصنيف لبنان في السنوات المقبلة.

ويتمثل أبرز التحديات في غياب إطار تنظيمي للابتكار (بيئة تنظيمية وتشريعات محفّزة)، وضعف الخدمات الداعمة له (نظام تعليمي رفيع المستوى، حاضنات الابتكار وريادة الأعمال، والبحث والتطوير في الجامعات)، وضعف البنية التحتية التكنولوجية المطلوبة، وعدم تطوير القوانين المالية المحفّزة على الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار وتمويل الأفراد والشركات، ومعاناة المبتكرين من غياب الدعم الرسمي، وضعف الوعي المجتمعي والمؤسساتي بأهمية التكنولوجيا والابتكار في التنمية، وعدم وجود مؤسسات وسيطة فاعلة بين منظومتَي التعليم والتكنولوجيا، وقلة عدد الباحثين المبتكرين الفاعلين، إذ إن غالبية الأبحاث المنجزة ضعيفة الفاعلية والنتاجات الابتكارية، وأصبحت الغاية منها الحصول على رتبة أكاديمية وارتقاء وظيفي، في وقت تهاجر الطاقات الإبداعية إلى الخارج لعدم توافر الإمكانات والموارد اللازمة لعملها، أو لعدم الاحتضان الرسمي لها، وتهميش عدد كبير منها نتيجة عدم الانتماء السياسي، وإقصائها عن المراكز التي تسمح لها كفاءتها بتوليها.

تعزيز الابتكار في لبنان ومواجهة تحدّياته يتطلبان خلق نظام وطني للابتكار ضمن إجراءات تشريعية قانونية، ومالية، وبشرية، ومؤسسية. فالإجراءات القانونية يجب أن تشمل وضع تشريعات متعلقة مثلاً بضبط الجودة والمواصفات وحماية الملكية الفكرية، وتفعيل مسار الاقتصاد الرقمي، واستحداث وزارة للتخطيط والتحول الرقمي والابتكار، وإنشاء صندوق استثماري للاستثمار في المشاريع البحثية التطبيقية، وتمكين الجامعات من دخول مرحلة جامعات الجيل الرابع.

أما الإجراءات المالية فيجب أن تشمل وضع تحفيز ضريبي ومالي للاستثمار في البحث والتطوير، ومنح تسهيلات ضريبية وجمركية تشجع نشوء الصناعات المستندة إلى التكنولوجيا أو توفير رأس المال المخاطر، وزيادة الإنفاق على البحث والتطوير، وتشجيع التعاون بين لبنان والدول الرائدة في مجالات الابتكار والتكنولوجيا على غرار الإجراءات الأوروبية في مشاريع ESPRIT وEURIKA وغيرها.ةفيما يجب أن تشمل إجراءات تكوين الأطر البشرية إطلاق الاختصاصات التكنولوجية التي تهتم بنوعية التكوين وليس كميته، وإدخال مواد التكنولوجيا والتمكين الرقمي والذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها في المناهج الدراسية، وتعزيز دور المدارس والجامعات في دعم الابتكار.

مصدرجريدة الأخبار - ماجد جابر
المادة السابقة«الشط لكل الناس»: إزالة التعدّيات لا تغريم المعتدين
المقالة القادمةالأزمة تأخذ المنعطف الأخطر في تاريخها و”تفلت” سعر الصرف “من عقاله”