ينعكس التوتر في الشرق الأوسط حالياً، على أسواق النفط، بعد الهجوم على منشآت نفطية سعودية قرب الرياض بطائرات من دون طيار، وذلك بعد يومين من عملية تخريب غامضة لـ4 سفن قرب الامارات العربية المتحدة.
بعدما كانت الاختلالات في عملية العرض والطلب في الفترة الأخيرة هي العامل الأساسي الذي أدّى إلى ارتفاع أسعار النفط، يبدو انّ عاملاً جديداً أكثر جدّية دخل في حسابات المستثمرين، بعد طرح فرضية اندلاع الحرب بين ايران والولايات المتحدة.
وكانت عمليات الحدّ من العرض في الاسواق، دفعت الاسعار الى الارتفاع منذ بداية 2019، حيث تقوم منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) وشركاؤها وبينها خصوصاً روسيا، بخفضٍ طَوعي للانتاج. بالاضافة الى انّ دولتين عضوين في اوبك هما ايران وفنزويلا تتعرضان لعقوبات أميركية تمنعهما من تصدير انتاجهما النفطي، ما حرم السوق موارد مهمة من النفط الخام ودفع الاسعار الى مزيد من الارتفاع.
امّا اليوم، فقد تشهد اسعار النفط ارتفاعاً كبيراً في حال اشتعل الوضع في منطقة الخليج وحدثت اضطرابات في مضيق هرمز، أحد أهم معابر النفط الخام في العالم، والذي يعتبره المحللون “الخطر الرئيسي” حيث يمرّ عبر هذا المضيق يومياً ما معدله 17,5 مليون برميل، ما يمثّل نحو 20 بالمئة من العرض العالمي من النفط، بحسب بلومبرغ.
وبعد تصاعد التوتر بين السعودية وايران في نهاية نيسان بسبب تشديد واشنطن عقوباتها بحق طهران، هددت ايران بتعطيل الملاحة في مضيق هرمز الذي يفصل بين ايران ودول الخليج العربية.
واللافت انّ الهجمات الاخيرة جاءت على خط أنابيب يتيح للسعوديين أن يصدّروا بدون استخدام المضيق (مروراً بالبحر الاحمر)، وميناء الفجيرة وهو مصبّ خط الانابيب في الامارات العربية المتحدة، وذلك تفادياً للمرور بمضيق هرمز.
ورغم انّ الهجومين الاخيرين لم يُحدثا حتى الآن اضطراباً حقيقياً في العرض النفطي، بدليل انّ ردّ فعل الاسواق جاء معتدلاً في مستوى الاسعار، إلّا انّ هناك حساسية خاصة لدى المستثمرين ازاء الاخبار التي تأتي من المنطقة. فقد واصلت أسعار النفط ارتفاعها امس بسبب الأوضاع المتوترة في الشرق الأوسط، بعد استدعاء الولايات المتحدة، جميع موظفيها غير الأساسيين العاملين في العراق لمغادرة هذا البلد، مشيرة إلى وجود “تهديد وشيك” تشكّله ميليشيات عراقية مرتبطة بإيران. وكثّفت إدارة ترامب خلال الايام القليلة الماضية الضغوط على ايران وعزّزت وجودها العسكري في الخليج، مبررة ذلك بوجود استعدادات ايرانية لشَن هجمات على مصالح اميركية في المنطقة.
وحول إمكانية تصاعد التوترات وتداعياتها المحتملة على اسعار النفط، اشار الرئيس السابق لتجمّع شركات النفط في لبنان مارون شماس الى انه لا يمكن تَوقّع الاحداث المستقبلية وأي تطورات قد تحصل ضمن النزاع الايراني – الاميركي، لكنّه أكد لـ”الجمهورية” انه يجب ان تتوافر عوامل عدّة في الوقت نفسه، للتأثير على اسعار النفط بشكل ملحوظ كخفض العرض على سبيل المثال بالتزامن مع تفاقم أزمات سياسية وأمنية وغيرها…
وقال انّ استراتيجية اوبك في خفض الانتاج وتراجع صادرات ايران وفنزويلا، ليست عوامل كافية اليوم في ظلّ وجود وسائل عدّة بديلة للطاقة، “فنحن اليوم في العام 2019 وليس الوضع كما كان في السبعينات والثمانينات او التسعينات، حيث كان مجرّد الحديث عن إغلاق مضيق هرمز يؤدي الى ارتفاع حاد في اسعار النفط والى توترات في الاسواق العالمية.
ولفتَ شماس الى انّ نقص المعروض في اسواق النفط، في حال حصوله، يمكن تداركه سريعاً اليوم، عبر ضَخ كميات من الطاقة البديلة، كالنفط الصخري وغيره. موضحاً انه “في السابق كان الاعتماد الكبير والمطلق على نفط الخليج. اما اليوم، فالامور تبدّلت وأصبح هناك تنوع في مصادر الطاقة، مما خفّض من التداعيات السبلية لأي توترات تحصل في الخليج”.
واعتبر انّ التقلبات التي تحصل اليوم ليست بالحادّة، وتداعياتها بقيت محصورة، “والدليل انّ اسعار النفط منذ وقوع الهجوم على المنشآت السعودية، لم تشهد ارتفاعاً لافتاً. وقد امتَصّت الاسواق بسرعة تداعيات هذه الاحداث”.
من جهته، اعتبر الخبير النفطي عبود زهر انّ إغلاق مضيق هرمز هو الخطر الاكبر الذي سيؤثر بشكل كبير على اسعار النفط، مستبعداً في الوقت نفسه ان يتم التمادي بين الاطراف المتنازعة الى هذا الحد، “لأن لا مصلحة لأحد اليوم في التسبّب باندلاع حرب”.
وأشار لـ”الجمهورية” الى انّ المضاربات بين المستثمرين في اسواق النفط اليوم، ستتعزّز “ولو لم يكن هناك مشكلة في العرض ولو انّ العرض لم ولن يتأثر. لأنّ المستثمرين ينتهزون هكذا فرص للمضاربة في العقود الآجلة للنفط، مما يؤدي الى ارتفاع الاسعار، حتّى ولو لم تتطور الامور ولم نشهد أي توترات جديدة او هجومات اضافية او أحداث مماثلة”.
بدوره، رأى الخبير النفطي نبيل خليفة انه لا يمكن تَوقّع ما يمكن ان تُقدم عليه ايران، التي تسعى لإثبات نفسها وقوّتها بأي ثمن كان ولو حتى على حسابها. وقال لـ”الجمهورية” انّ الحروب اليوم لم تعد حروباً عسكرية بل انها مصيرية ونتائجها كارثية قد تقضي على دول برمّتها في ظل وجود أسلحة الدمار الشامل، مستبعداً ان تتجرأ ايران على أي خطوة من هذا النوع.
جدير بالذكر انّ لبنان يتأثر مباشرة بارتفاع اسعار النفط، الذي ينعكس ارتفاعاً في كلفة دعم الكهرباء التي تستهلك حالياً حوالى ملياري دولار سنوياً. لذلك يشعر المسؤولون اللبنانيون بالقلق حيال احتمال رفع أسعار المحروقات.