هي ازمة فقدان الدولة لا أكثر ولا اقل في استعادة طوابير الذل المفتعلة عند محطات الوقود والمحروقات في اليومين السابقين مع “إمطار” اللبنانيين بتهديدات ووعود الاتي الأفدح على صعيد تحليق أسعار البنزين والمازوت والغاز وسائر مشتقات النفط، ناهيك عن اشعال أسعار المواد الاستهلاكية ولا سيما منها المواد الغذائية الأساسية بدءا بالخبز والزيوت والحبوب.
اشتعلت ازمة المحروقات والمواد الغذائية الأساسية كما لو ان لبنان في قلب اوروبا بزعم اتساع تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا لجهة الارتفاع المطرد الناري في أسعار النفط عالميا، كما في الدورة التجارية المتصلة بتوقف استيراد الحبوب والقمح من أوكرانيا، فاذا بلبنان ينافس الدول الأوروبية نفسها في تلقي تداعيات الحرب ! واسوأ ما عاشه وسيعيشه اللبنانيون تباعا ان السوق تركت للفوضى والعشوائية التي ترجمتها أكاذيب التصريحات و”الاطلالات” التلفزيونية لكل المعنيين بقطاع المحروقات او بالقطاع التجاري الاستهلاكي حيث تبارزوا في غسل الايدي من هذه الفوضى ورمي كرة عودة الطوابير عند المحطات او التهافت على السوبرماركات في مرامي بعضهم البعض. وبدا واضحا ان الدولة المفتقدة والمغيبة التي كانت في إجازتها ليس منتظرا منها اكثر من توزيع تصريحات في الساعات المقبلة من بعبدا والسرايا والوزارات المعنية باعتبار ان معركة “الميغاسنتر” او الحسابات الانتخابية النيابية بدأت تطغى على كل أولويات الناس، كما ان التواطؤ الدائم بين السلطة وكارتيلات شركات استيراد المحروقات غالبا ما سيبقي الازمة إلى اتساع. وبات في حكم المؤكد ان أسعار المحروقات تتجه نحو “محرقة” جديدة شديدة القسوة بدءا من اليوم بحيث سيبدأ سعر صفيحة البنزين مثلا يقترب من سقف 500 ألف ليرة فيما سيحلق أيضا سعر طن المازوت مع كل ما يعنيه ذلك من تداعيات على التنقل والتغذية بالطاقة الكهربائية على المؤسسات والعائلات والافراد.
وقد مهدت فوضى اليومين السابقين، الأجواء على ما يبدو لمحرقة الأسعار المشتعلة، ذلك ان ممثل موزعي المحروقات فادي ابو شقرا زعم ان مخزون المحروقات في لبنان يكفي لاربعة او خمسة ايام، مشيرا إلى ان اتصالات عدة حصلت مع الشركات ووزير الطاقة. واشار إلى انه لم يصدر بعد جدول اسعار المحروقات وفق الارتفاع العالمي لسعر النفط، مؤكدا ان الارتفاع في أسعار المحروقات ليس محليا انما عالمي.
ولكن وزير الطاقة وليد فياض رد بالجزم بان البنزين متوافر وبكميات تكفي السوق اللبنانية. وعزا ما حصل في محطات المحروقات إلى أزمة مفتعلة، لأن سعر برميل النفط العالمي ارتفع “لكن لا يمكننا أن نحدد للشركات المستوردة للنفط التاريخ الذي سنصدر فيه الجدول الجديد للأسعار”.
ومع ذلك فان مصدرا رسميا في قطاع النفط اكد ان جدول أسعار المحروقات الجديد سيصدر اليوم الاثنين وقال ان الكميات الموجودة حاليا تكفي السوق لسبعة أيام.
وقال مصدر مطلع على ملف توزيع المحروقات لـ”النهار” إنّ “جدول الأسعار الأخير الصادر عن وزارة الطاقة والمياه – المديرية العامة للنفط لا يناسب الشركات المستوردة للوقود، بخاصة بعد صعود سعر برميل النفط العالمي، الأمر الذي دفعها إلى التوقف عن توزيع المادّة إلى حين تعديل التعرفة من جديد، فارضة هذا التعديل على وزارة الطاقة.
ووسط صورة استعادة الطوابير عَلى المحطات شرع جهاز أمن الدولة في تسيير دوريات في عدد كبير من المناطق على محطات الوقود، للتأكد من توافر مادة البنزين فيها، ضمن خطة منع الاحتكار وتم فتح عدد من المحطات المغلقة.
ولم يقف الامر عند المحروقات اذ ان التلويح بأزمة خبز استمر كما تفاقمت ازمة فقدان مواد استهلاكية أساسية وقام وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام الأحد، بجولة مفاجئة على بعض السوبرماركت للكشف عن كميات الطحين والزيت بعد إفراغها من الرفوف . وأعلن سلام “سنذهب بالإجراءات القانونية للمحتكرين إلى النهاية، واليوم نحن بظروف استثنائية وشكلنا خلية طوارئ لجنة وزارية لمتابعة هذا الأمر، وسنسير بالمجرى القانوني، وإن وجدنا احتكاراً قد نصادر المواد المخبّأة وقد نوزّعها مجاناً على المواطنين”. معلناً “اننا سنتخذ قرارات أيضاً بشأن استيراد القمح ذات طابع استثنائي غداً (اليوم)”.
وقام الوزيران وليد فياض وسلام مساء امس بجولة على عدد من المحطات في العاصمة وقال فياض لـ”النهار”: “ان سعر البنزين مرتبط بارتفاع سعر البترول عالمياً وسعر صرف الدولار، ولدينا كميات في السوق يجب أن يستفيد منها الناس قبل غلاء الأسعار”. وبدوره قال الوزير سلام لـ”النهار”: “سُطّرت محاضر ضبط بحق المحطات المقفلة قبل إعادة فتحها منذ قليل، وتمنّنيا على التجار عدم خلق حالة هلع ولا نريد إعادة المشهد الماضي وتشكّل الطوابير”.
يشار في هذا السياق إلى ان أكثر من مئة لبناني كانوا من المقيمين في أوكرانيا وصلوا مساء أمس إلى مطار رفيق الحريري الدولي على متن طائرة الميدل ايست نقلتهم من وارسو وواكب تنظيم هذه الرحلة اللواء محمد خير رئيس الهيئة العليا للإغاثة. واكد خير اجلاء جميع الرعايا اللبنانيين من بولندا ورومانيا ويجري التواصل مع اللبنانيين الذين بقوا داخل أوكرانيا.