واستفاق اللبنانيون الجمعة على وقع تنفيذ قرار خفض وزن الخبز بدل زيادة سعره، الأمر الذي خلّف صدمة لديهم وخاصة الطبقتين الفقيرة ومحدودة الدخل، اللتين تعانيان أصلا من ضعف في قدرتهما الشرائية بسبب الضغوط الاقتصادية التي تعيشها الدولة.
وزادت حكومة نجيب مقياتي من معاناة المواطنين المنهكين بإعلان وزارة الاقتصاد والتجارة الخميس الماضي خفض وزن ربطة الخبز مع الإبقاء على سعرها الحالي، في ظل أسوأ أزمة معيشية واقتصادية تمر بها البلاد. وقبل الأزمة الاقتصادية، التي تفجرت مع اندلاع احتجاجات منتصف أكتوبر 2019، كان سعر ربطة الخبز 1500 ليرة (دولار بسعر الصرف الرسمي)، ولكن منذ فبراير الماضي قامت السلطات بزيادته ثلاث مرات ليصل حاليا إلى 9500 ليرة (نحو 6.3 دولار بسعر الصرف الرسمي) للمرة الأولى في تاريخ البلاد.
وقالت الوزارة في بيان إنها تجد نفسها “مضطرة هذه الفترة إلى خفض بسيط في وزن ربطة الخبز، بما يبقي سعرها ضمن الهامش المقبول، رغم ارتفاع أسعار المكونات التي تدخل في صناعة الرغيف، من طحين ومازوت (ديزل) وغيرها من المواد، ورغم ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية”.
وحدد قرار الوزارة سعر ربطة الخبز بوزن 380 غراما في المتجر إلى المستهلك بنحو 5500 ليرة (3.36 دولار)، وسعر ربطة الخبز زنة 800 غرام بنحو 7500 ليرة (قرابة خمسة دولارات)، أما الربطة بوزن 1050 غراما فيبلغ سعرها 9500 ليرة (نحو 6.3 دولار).
ومنذ عامين، يعاني اللبنانيون أزمة مالية حادة أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية، وانهيار قدرتهم الشرائية. وكانت آخر مرة زادت فيها وزارة الاقتصاد سعر الخبز في يونيو الماضي. وقالت حينها إن “سبب الزيادة في الأسعار إنهاء مصرف لبنان المركزي دعم السكر (الذي يدخل في صناعة الخبز)، مما يرفع تكلفة إنتاج الخبز”.
وتحدد الوزارة أسبوعيا سعر الخبز، بناء على كلفة التصنيع والتوزيع، واستنادا إلى سعر القمح عالميا، وارتفاع سعر صرف الدولار وأسعار الوقود. ويدعم المركزي استيراد العديد من المواد الأساسية من خلال تأمين الدولار إلى مستورديها وفق سعر الصرف الرسمي، الذي يبلغ 1.510 ليرة، في وقت بلغ فيه سعر صرف الدولار في السوق الموازية الخميس الماضي نحو 22 ألف ليرة لأول مرة.
وكان المركزي قد قلص الدعم، وخاصة دعم استيراد القمح، الذي يبلغ سنويا نحو 135 مليون دولار مع انخفاض احتياطيات العملات الأجنبية من نحو 30 مليار دولار في بداية الأزمة قبل عامين، إلى ما يقرب من 15 مليار دولار حاليا. وتشير أرقام وزارة الزراعة إلى أن حجم إنتاج لبنان من القمح سنويا يتراوح ما بين 100 و140 ألف طن، بينما تبلغ احتياجات البلد من هذه المادة ما بين 450 و550 ألف طن سنويا.
وفي ظل القرار الجديد، قد يتهدد السوق المحلية شح سلعة الطحين المستورد من الخارج مجددا، وسط تراجع في وفرة النقد الأجنبي لدى المصرف المركزي الداعم الأساسي لهذه المادة من خلال تحمله جزءا من فروقات أسعار صرف قيمة وارداته.
ويحذّر خبراء من أن الطبقة الوسطى الدنيا بدأت تختفي، مع خسارة الليرة أكثر من ثمانين في المئة من قيمتها أمام الدولار في السوق السوداء. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن نسبة الفقر في لبنان ارتفعت عام 2020 إلى 55 في المئة، بعدما كانت 28 في المئة عام 2019، فيما ارتفعت نسبة الذين يعانون من الفقر المدقع من 8 إلى 23 في المئة. ولكن مع تواصل الأزمة المالية حتى مع وجود حكومة جديدة عهدت إليها مهمة انتشال البلد من وضعه الاقتصادي الكارثي، تقدر السلطات بأن 80 في المئة من الشعب اللبناني بات تحت خط الفقر.
وفي ظل النقص الحاد في العديد من السلع الأساسية وصولا إلى خفض فعلي بنسب تصل إلى 80 في المئة لقيم المدخرات في نظام مصرفي فقد قيمته، يقول خبراء إن الأزمة تسبب ألما يفوق حتى أصعب برنامج إصلاح يمكن تخيله من صندوق النقد الدولي.