لبنان يعلق آماله على ثروات الغاز لتجاوز محنته المالية

رفع الإعلان عن بدء عمليات التنقيب في سواحل لبنان الإقليمية منسوب التفاؤل لدى المسؤولين بشأن إمكانية حصول بلدهم على إيرادات مستدامة بعد بدء عمليات إنتاج الغاز رسميا، مما قد يساعد الدولة المنهارة ماليا على امتصاص أزماتها الاقتصادية.

تتجه الأنظار في لبنان نحو عمليات التنقيب عن النفط والغاز بالمياه الإقليمية للبلاد، حيث يطغى التفاؤل بشكل كبير، وهذا ما ظهر بوضوح في كلمة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في الأمم المتحدة مؤخرا.

والأسبوع الماضي، قال ميقاتي “اسمحوا لي أن أُسجّل ارتياح لبنان لبدء عملية التنقيب عن النفط والغاز في مياهه الإقليمية، ورغبته في لعب دور بنّاء مستقبلا في مجالات الطاقة في حوض المتوسط”.

وظل تطوير موارد الطاقة البحرية طموحا محوريا للحكومات المتعاقبة ببلد يواجه أزمة سيولة حادة، لكن الاختناقات السياسية تسببت في تأجيل ذلك لأعوام، فضلا عن النزاع مع إسرائيل بشأن الحدود البحرية في نطاق بعض مناطق التنقيب.

وفي بلد يستشري الفساد في مؤسساته، ويُتهم مسؤولوه بنهب المال العام، يتساءل كثر عما إذا كان استخراج تلك الموارد سيعود على الدولة بأرباح تساعد اقتصادها على النهوض.

ومع ارتفاع الطلب عالميا على الغاز، على وقع أزمة الطاقة التي أثارتها الحرب بين روسيا وأوكرانيا، يأمل لبنان أن يسهم أي اكتشاف بحري في التخفيف من حدة الانهيار الاقتصادي.

ومنتصف أغسطس الماضي، أعلن وزير الأشغال العامة والنقل علي حميه، وصول باخرة التنقيب إلى البلوك رقم 9 على الحدود البحرية مع إسرائيل.

وقالت شركة توتال أنيرجيز الفرنسية في بيان وقتها إنها متفائلة بوجود ثروات في حقل قانا. وأكدت أنها على بعد خطوات قليلة من الاستكشاف.

وكان لبنان قد وقّع في فبراير 2018 عقدا مع ائتلاف شركات نفطية بقيادة توتال والذي يضم إيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية، التي انسحبت فيما بعد، وحلت مكانها قطر للطاقة للتنقيب عن النفط والغاز في مياهه الإقليمية.

وكشف المدير التنفيذي لمنظمة استدامة البترول والطاقة مروان عبدالله، عن المراحل التي يمر بها التنقيب.

وقال لوكالة الأناضول “بعد وصول باخرة التنقيب تحضّر الأرضية أو القاعدة الخاصة لمدّ قساطل تحت المياه، وهذا ما بدأته الشركة المشغّلة آواخر أغسطس في البلوك رقم 9”.

وأشار إلى أن هناك مرحلتين، “الأولى هي المرحلة فوق سطح البحر حتى قعره، ثم يتم الحفر في القعر”، لافتا إلى أن كل مرحلة من التنقيب تحتاج إلى نحو 68 يوما أو ثلاثة أشهر وفقا لظروف البحر والطقس في الشتاء.

وتابع “بعدها يتم أخذ كل ما تم استخراجه من قعر البحر مثل الصخر، نوع التراب والغاز والنفط إلى المختبرات الخاصة في توتال ويقومون بدراستها”، مضيفا أن الدراسات تُظهر نوعية النفط والغاز وكميتها وكلّ التفاصيل حولها.

وكلّ هذه المراحل تسمى “مرحلة البئر الاستكشافية”. وبعد إجراء الدراسات، يصدر تقرير ويرسل للدولة اللبنانية، منه سري ومنه علني، ويحتوي على الكميات المتوقعة داخل البئر وغيرها من معلومات.

وعقب الحصول على الموافقة من الدولة، بحسب عبدالله، تبدأ خطة الحفر وتطوير الحقل وتحتاج إلى مدة عام، “وتستمر الإجراءات حتى الوصول إلى مباشرة التنقيب من خلال إحضار منصة ثابتة”.

وفق خبراء النفط، هناك معطيات كثيرة تجعل الآمال كبيرة في البلوك رقم 9. ويرى عبدالله أن المعطى الأول يشير إلى أن المنطقة التي يتم الحفر فيها “بكر” ولم تتعرض للحفر سابقا، لذا فاحتمال إيجاد النفط أو الغاز من المرة الأولى فيها يتراوح بين 22 و27 في المئة.

أما المعطى الثاني فهو إيجاد النفط في البلوكات المجاورة للبلوك رقم 9، في إسرائيل (كاريش) وقبرص (أفروديت)، لذا الاحتمال كبير بإيجاد كميات أيضا في البلوك اللبناني.

وأوضح عبدالله أن التقنيات الجديدة تسمح بأخذ فكرة عامة، وحسب الشركات التي أقامت الدراسات، فالبلوك فيه حقل لكن لا أحد يعرف كميته أو حجمه.

وذكر أن “التفاؤل حول إيجاد النفط والغاز موجود، لكن لا يمكن معرفة الكمية المتواجدة فيه”.

وكلام عبدالله توافق مع حديث الباحث في العلاقات الدولية والمتخصص في شؤون الطاقة شربل سكاف، الذي قال للأناضول إن “المنطقة الجنوبية للمتوسط هي التي يتمركز فيها حاليا معظم الاكتشافات التجارية مثل مصر والجزائر وإسرائيل”.

وأضاف سكاف أن الدراسات الزلزالية على مستوى البلوك 9 واعدة، و”بالإضافة إلى ذلك، فهذا البلوك قريب من مكان الحفر من كاريش”.

ولفت إلى أن التوقعات “تشير إلى حصول اكتشاف تجاري مرتفع، لكن لا يمكن التأكّد إلا عند انتهاء عملية الحفر في البئر الأولى”.

ويقع لبنان ومعه قبرص وإسرائيل ومصر فوق حقل غاز شرق البحر المتوسط، الذي تم اكتشافه عام 2009.

وفي أكتوبر الماضي، وقّع لبنان وإسرائيل اتفاقا لترسيم الحدود البحرية بينهما، عقب مفاوضات غير مباشرة استمرّت عامين بوساطة أميركية إثر نزاع على منطقة غنية بالنفط والغاز الطبيعي بالبحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كيلومترا مربعا.

وحسب إحصاءات غير رسمية، تقدر حجم الاحتياطيات البحرية اللبنانية من الغاز بنحو 96 تريليون قدم مكعبة، ومن النفط 865 مليون برميل.

وبدأ لبنان الاهتمام بمسألة النفط والغاز منذ عهد الانتداب الفرنسي منذ 1920 وحتى 1943، لكن النزاعات السياسية بين الأطراف اللبنانية المتنافسة وظروف الحرب الأهلية وعدم الاستقرار السياسي، حالت دون البدء بعملية التنقيب وتطوير القطاع.

وذكر الخبير الاقتصادي اللبناني عماد عكوش أن “التنقيب عن البلوك رقم 9 بدأ ونحن واثقون من قدرة الدولة على إدارة الملف”. وأوضح أن “إحدى فوائد أي عمليات اكتشاف قريبة، ستعزز الثقة بالاقتصاد اللبناني ولو بشكل نسبي”.

وأضاف “في الأشهر المقبلة، في حال تم التأكد من وجود غاز في البحر ستعزز الثقة بالاقتصاد وعملة البلد ومن الممكن أن تعود الشركات الأجنبية للدخول في مناقصات البلوكات الأخرى”.

أما بالنسبة للعائدات المالية من الغاز والنفط، فأكد أن الاستفادة المادية من الغاز تحتاج إلى سنوات إلى حين القيام بخطوة تسويق، وتطوير الحقل.

ومع بدء عمليات التنقيب في البحر، تتفتح الأنظار نحو التنقيب في البرّ اللبناني، وفي هذا الإطار، ذكر عبدالله أنه إلى حد الآن هناك قانون اسمه “قانون الموارد الطبيعية في المياه اللبنانية” في البرلمان، ومن خلاله سُمح العمل في البحر، لكن لا قانون للبر.

ولا يمكن الحديث عن أي سيناريو في البرّ، إلا بعد إقرار قانون في مجلس النواب مشابه لما يحصل في البحر، لأن الوضع في البر يختلف لأن هناك أراضي ملكيات خاصة وأخرى تابعة للبلديات.