نقص النحاس يهدد التحول العالمي في مجال الطاقة الخضراء

يصطدم المسار العالمي الطويل للحياد الكربوني لتعديل أنظمة الطاقة التي تعتمد على الوقود الأحفوري مع مطب يتمثل في أن ذلك التحول يتطلب كميات أكبر بكثير من النحاس وتفوق الكميات المطلوبة منه قدرة الشركات المنتجة حاليا.

ويُتوقع أن يسجل العرض في سوق النحاس في العالم نقصا قد يصل إلى ستة ملايين طن مقارنة بالطلب على المدى المتوسط، مما يثير القلق بشأن التحول في مجال الطاقة.

ويعتبر المختصون أن المعدن الأحمر الذي لم يحظ بالاهتمام الكافي على الأقل خلال السنوات الأربع الأخيرة، الشريان الأساسي لشبكات الطاقة والمعدات الكهربائية وغيرها من المصادر والصناعات التي تعتمد عليه، والوسيلة الرئيسية للحد من الغازات الدفيئة.

ويقول مدير عمليات مجموعة نيكسانز فنسان ديسال إنه “عندما تريد نقل الطاقة داخل سيارة أو مبنى أو بين مصنع للإنتاج ومكان الاستهلاك، تحتاج إلى تمرير التيار الكهربائي وحاليا ليس لدينا ما هو أفضل من النحاس، وبتكلفة ومتانة مقبولتين”.

وأكد ديسال لوكالة فرانس برس أن العالم دُفع قسرا إلى الاعتماد على الكهرباء للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، مما زاد الطلب على النحاس.

وتريد أوروبا خصوصا خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 55 في المئة بحلول العام 2030 مقارنة بالعام 1990. وتزامنا مع ذلك تتجه البلدان الناشئة إلى الكهرباء.

وتؤكد وكالة الطاقة الدولية التي تنظم قمة حول المعادن المهمة للتحول في مجال الطاقة هذا الأسبوع، أن سوق النحاس شهد نموا بنحو 50 في المئة بين عامي 2017 و2022، ليبلغ حوالي 200 مليار دولار.

وأوضح ديسال أن العالم كان يستهلك من 9 إلى 10 ملايين طن من النحاس منذ عقدين، وحاليا يبلغ استهلاكه 23 إلى 24 مليون طن، أي أن الرقم تضاعف.

وقال “نعتقد أنه في غضون عشر سنوات فقط، من المحتمل أن يبلغ الاستهلاك العالمي بين 35 و40 مليون طن”.

وأشارت دراسة أجرتها ستاندرد آند بورز غلوبال في فبراير الماضي، إلى أن الطلب السنوي مهيأ للتضاعف وبلوغ 50 مليون طن بحلول 2035، وهي تفترض توفّر ما يكفي من المعدن الأحمر، وهو أمر غير مؤكد على الإطلاق.

والنحاس أحد الموصلات الكهربائية المتاحة بوفرة نسبيا، ولا بديل أفضل منه، ويمكن العثور عليه في كل أنواع المنتجات، من أجهزة تحميص الخبز إلى أجهزة التكييف ورقائق أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية والسيارات الكهربائية.

وأشار ديسال إلى أنه بالإضافة إلى تطلب ربط توربينات الرياح البحرية بالشبكات الكهربائية كابلات كثيرة، تحتاج السيارة التي تعمل بالبطاريات بشكل عام إلى ضعف كمية النحاس التي تحتاج إليها السيارة التقليدية.

وليس واضحا ما إذا كان قطاع التعدين، الذي يتوخى الحذر عادة سيستوعب حجم الاستثمارات اللازم لتغطية احتياجات العالم، في حين أن التعثر سيعني خروج خطة تحول الطاقة عن مسارها.

ولفت لوران شوكوالي، من الرابطة الدولية للنحاس، التي تضم شركات تعدين ومصاهر وتمثل 50 في المئة من أطنان النحاس المنتجة في العالم، إلى أن البيانات تشير منذ سنوات إلى احتمال حدوث “نقص في العرض”.

وأكد أن النقص لم يحدث بعد، “لأسباب مختلفة وبينها تطور الأسعار، واستبدال (النحاس) في بعض الأحيان”.

وأضاف أنه نظرا للنمو الهائل في الطلب، “يمكننا أن نواجه مشكلة في بداية ثلاثينات القرن الحالي، مع عجز يبلغ نحو 5 إلى 6 ملايين طن”.

وذُكرت طرق كثيرة لتفادي النقص في سوق النحاس وبينها استخدام الألومنيوم، وهو موصل جيد للتيار ولا يشهد شحا في الموارد، لكن سلسلة توريده تطرح صعوبات.

وبحسب ديسال، يتطلب “إنتاجه ثلاث مراحل مختلفة، ولا تكون دائما في المناطق الجغرافية نفسها”.

ويستهلك إنتاج الألومنيوم كميات كبيرة من الطاقة ويؤدي إلى انبعاثات كربونية، وبالتالي يعتمد سعره بشكل كبير على أسعار الطاقة.

وأضاف “أخيرا، هناك عنصر جيوسياسي، وهو أن أحد أكبر منتجي الألومنيوم في العالم روسي، ما ولّد قيودا إضافية على هذه السوق”.

ومن بين سبل تجنب النقص في سوق النحاس تذكر بشكل متكرر مسألة إعادة تدويره بين بعض الخبراء وشركات القطاع.

وتقدر الرابطة الدولية للنحاس أن نسبة هذا المعدن المعاد تدويره والمتداول حاليًا تبلغ 40 في المئة، ما يمثل “حوالي ثلث العرض سنويا”. وتزداد أهمية هذه الطريقة في البلدان الصناعية.

وبينما يصعب تصور إعادة تدوير النحاس بشكل كامل على المدى الطويل نظراً لكونه غالباً ما يكون مدفوناً في الأرض أو في المباني، يمكن زيادة نسبة 40 في المئة “عبر التحسين العام لأنظمة التجميع، وتحسين تقنيات فصل النحاس”، بحسب شوكوالي.

وتظهر التوقعات أن نمو الإمدادات سيصل إلى ذروته في 2024، حيث يبدأ عدد أقل من مشاريع التعدين الجديدة العمل وتنضب مصادر النحاس القائمة.

ويُقدر محللو بنك غولدمان ساكس أن شركات التعدين ستحتاج إلى إنفاق قرابة 150 مليار دولار في العقد المقبل للتغلب على عجز يصل إلى ثمانية ملايين طن.

وللإشارة فإن العجز العالمي من معدن النحاس بلغ 441 ألف طن فقط في 2021، أي ما يوازي أقل من اثنين في المئة من الطلب على المعدن المكرر، وفقا لمجموعة دراسة النحاس العالمية.

وتشير التوقعات الحالية للسيناريوهات الأسوأ من ستاندرد آند بورز غلوبال إلى حدوث عجز بحلول 2035 يوازي نحو عشرين في المئة من الاستهلاك.