يُواصل المسؤولون اللبنانيون مساعيهم لإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية العميقة، في وقت تتزايد فيه الضغوط الداخلية والدولية لإقرار إصلاحات مالية هيكلية.
وفي هذا السياق تعمل السلطات على إعداد خطة شاملة لمعالجة الخسائر الناتجة عن الانهيار المالي الذي بدأ قبل ست سنوات، في محاولة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي واستعادة ثقة المانحين والمستثمرين، وسط تحديات سياسية واقتصادية معقدة.
وقال مصدر مطلع لرويترز الخميس إن “خطة طال انتظارها لإعادة هيكلة الديون التي تخنق الاقتصاد اللبناني قد تُعرض على مجلس الوزراء في غضون أسابيع،” لكن بعض الاقتصاديين قالوا إنها قد لا تساعد في تأمين قرض بالغ الأهمية من صندوق النقد الدولي.
وأدت عقود من الإنفاق الباذخ من النخبة الحاكمة في لبنان إلى تدهور الاقتصاد في أواخر 2019، إذ تم حرمان المودعين من صرف مدخراتهم مع إغلاق البنوك المثقلة بالديون.
وعرقلت المصالح السياسية والخاصة مرارا الإصلاحات المطلوبة للوصول إلى تمويل صندوق النقد الدولي لإنقاذ الحكومة من التخلف عن سداد الديون، إلى أن تعهد كل من الرئيس ورئيس الوزراء الجديدين هذا العام بإعطاء الأولوية لتلك الإصلاحات.
ومن النقاط الأساسية في هذه العملية سن قانون لتقاسم الخسائر المالية بين الدولة والمصرف المركزي والبنوك التجارية والمودعين.
وذكر المصدر أنه يجري العمل على وضع اللمسات الأخيرة على التشريع وسيتم تقديمه إلى مجلس الوزراء لمراجعته “في غضون أسابيع،” ثم إلى البرلمان اللبناني لإجراء تعديلات محتملة.
وبلغت التقديرات الأولية من الحكومة للخسائر الناجمة عن الانهيار المالي نحو 70 مليار دولار، وهو رقم من المتوقع أن يكون قد زاد على مدى السنوات الست التي تُركت فيها الأزمة دون معالجة.
وفاقمت الأضرار التي ألحقتها حرب العام الماضي، بين إسرائيل وجماعة حزب الله اللبنانية المسلحة، المشكلة.
وقال المصدر، دون تقديم أرقام، إن الخطة تتوقع مزيجا من عمليات الشطب واسترداد الأموال والسداد للمودعين.
وأشار إلى أنه بموجب الخطة سيتم سداد المدخرات في شكل أقساط نقدية على مدى ثلاث إلى خمس سنوات بالنسبة إلى أولئك الذين كان لديهم أقل من 100 ألف دولار في بداية الأزمة عام 2019، وهو وضع نحو 85 في المئة من المودعين.
وذكر المصدر أن المودعين الذين كان لديهم أكثر من 100 ألف دولار سيستردون أموالهم في إطار زمني أطول.
وتشمل الخطة احتمال استخدام “سندات مدعومة بأصول” في عملية السداد، وفقا للمصدر الذي طرح فكرة الاعتماد على احتياطيات لبنان من الذهب، والتي قال مصرف لبنان هذا الشهر إنها تقدر بنحو 30.28 مليار دولار.
لكن المصدر قال إن “المسؤولين لا يزالون يناقشون عناصر رئيسية، بما في ذلك آليات استرداد العوائد المكتسبة على الودائع في السنوات التي سبقت الأزمة.”
وفي الفترة الممتدة من عام 2016 إلى 2019، عرضت البنوك التجارية أسعار فائدة استثنائية في محاولة لدعم ودائعها في البنك المركزي، والتي كانت بدورها تستنزف بسرعة في الإنفاق العام. وتمكن بعض كبار المودعين من سحب أموالهم قبل أن ينهار النظام.
ولفت المصدر، الذي لم تذكر رويترز هويته، إلى أنه لم يتقرر بعد ما إذا كان صغار المودعين ستنطبق عليهم أيضا عمليات الاسترداد.
وسيكون إقرار الخطة خطوة أساسية نحو تحديد “قيمة استرداد” السندات الحكومية اللبنانية المتعثرة في السداد، والتي زادت أسعارها إلى أربعة أمثال تقريبا خلال العام الماضي مع مراهنة المستثمرين على بوادر التعافي الاقتصادي.
70 مليار دولار قيمة الخسائر، وهو رقم قد يزيد على مدى السنوات الست التي تُركت فيها الأزمة دون معالجة
وقال تيموثي قلدس نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط والباحث في الاقتصادات السياسية الإقليمية إن “الاعتماد على احتياطي الذهب يتعارض مع متطلبات صندوق النقد الدولي للحد من اللجوء إلى الموارد العامة.”
وأضاف أن قانون خطة الفجوة المالية “من شأنه أيضا أن يحمي البنوك من المساءلة المالية عن دورها في الأزمة المالية المدمرة ويقوض قدرة الحكومة على تمويل إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي.”
وتابع في تصريحات لرويترز أن “الضرر الإضافي الناجم عن مثل هذا القانون سيستمر في لبنان لأجيال.”
ويشعر مراقبون آخرون بالقلق من أن استرداد الأموال من صغار المودعين سيشكل انتهاكا للمعايير الدولية بشأن التسلسل الهرمي للمطالبات وتعهدات لبنان نفسه بحماية الفئات الأكثر ضعفا.
ولا يزال التوتر السياسي ينهك الدولة، إذ تواصل إسرائيل قصف جنوب البلاد، وترفض جماعة حزب الله نزع سلاحها تماشيا مع قرارات مجلس الوزراء.
ويمكن أن يجعل هذا المزيج من المشاكل والانتخابات البرلمانية في مايو المقبل المشرعين غير راغبين في إقرار إصلاحات لا تحظى بشعبية.
وحقق لبنان حتى الآن تقدما متباينا في الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي، فقد احتاج البرلمان إلى ثلاث محاولات لتمرير قانون رفع السرية المصرفية الذي يفي بالمعايير الدولية.
وأقر قانونا لإعادة هيكلة البنوك في يوليو الماضي، لكن صندوق النقد شارك الحكومة اللبنانية مخاوفه من أنه انحرف عن أفضل الممارسات الدولية ولم يتضمن مساحات كافية لمنع تضارب المصالح.



